بعد تمام الإجراءات الخاصة بتشكيل مجلس النواب والبت في صحة العضوية وخلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة لا بد أن يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد، فتنعقد الجلسة الأولى برئاسة اكبر الأعضاء سنا بعد أداء اليمين الدستورية المقررة بموجب الدستور، حيث يتقرر ضمن هذه الجلسة انتخاب رئيس للمجلس ونائب أول ونائب ثانٍ له، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس وبواسطة الانتخاب السري المباشر في حال التنافس، وبهذا فان تاجيل انتخاب رئيس للمجلس ونائبيه يعد تجاوزا على النص الدستوري، وزاد التجاوز والشرخ اعتبار جلسة مجلس النواب مفتوحة خلافا للمنطق الدستوري ولقرار المحكمة الاتحادية العليا الذي لا يجوز مخالفته، وحيث ان من اختصاصات مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية، فانه يجب - خلال مدة لا تتجاوز الثلاثين يوما من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى للمجلس - ان يتم انتخاب رئيسا للجمهورية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، حيث ان رئيس الجمهورية تنتهي ولايته بانتهاء مدة مجلس النواب، إلا انه يستمر بممارسة مهماته الى ما بعد انعقاد الجلسة الأولى للمجلس ولغاية انتهاء الفترة المقررة لانتخاب الرئيس، وفي حال تنافس الأعضاء على مركز رئيس الجمهورية أو ان أحدا من المرشحين لم يحصل على الأغلبية المطلوبة يصار الى اعتماد التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويتم الإعلان عن اسم من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني بتسميته رئيسا للجمهورية.
يقوم رئيس الجمهورية بتكليف من يتم ترشيحه من الكتلة النيابية الأكثر عددا في المجلس بتشكيل مجلس الوزراء، وخلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يتولى مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا باختيار وزارته وتسمية الوزراء خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ التكليف.
خلال المدة المنصرمة من عملية تشكيل الحكومة تم اعتماد نظام التوافقية بين الأحزاب والكتل والشخصيات، وهذا النظام لم يكن ايجابيا وثبت فشله، فالعديد من المكلفين بمسؤوليات كبيرة في الحكومة كانوا غير منسجمين في العمل، كما كانت لهم وجهات نظر متعارضة مع خطة العمل التي تعتمدها الحكومة، وغالبا ما يتبع هؤلاء كتلهم أو أحزابهم السياسية، وبالتالي انعكس ذلك سلبا على أداء الحكومة، وما يلفت النظر هو أن العمل ضمن الفريق الواحد يجعل المسؤولية متوزعة على جميع أعضاء هذا الفريق، إلا ان ما نطالعه ونقرأه هو تنصل هذه الشخصيات من المسؤولية وتبريرها غير المقنع من إنها تعارض الحكومة، في الوقت الذي تتشارك ضمن هذه الحكومة لتجسد لنا موقفا متناقضا متعارضا مع مبادئ العمل السياسي والديمقراطي.
ان اعتماد هذا المبدأ لا يمكن معه تطبيق المنهج الوزاري الذي يتم اعتماده من مجلس النواب بعد تقديمه من رئيس الوزراء بأمانة، وبالتالي سيخلق فجوة في العمل والمواقف بين وزراء يفترض انهم يشكلون جميعهم مجلس الوزراء ويعملون لتطبيق المنهاج المعتمد حسب اختصاص وزارتهم، بعد ان نالوا ثقة مجلس النواب وحاز منهجهم في العمل على الأغلبية المطلقة من المجلس، وباتوا مسؤولين أمام المجلس وأمام الشعب في عكس المنهج الذي طرحه كل منهم إلى واقع عملي لخدمة الشعب ومستقبل البلد.
ونتيجة لعدم الانسجام لم يتحقق الاستقرار السياسي ولا لمس المواطن العراقي نتائج المنهاج الوزاري، واستمرت المهاترات الإعلامية وتبادل الاتهامات بالفشل والزعم بمحاربة الفساد والمفسدين ، ما عطل دور مجلس النواب في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية من خلال السكوت على الأخطاء وتبرير المنزلقات، وبالتالي عدم محاسبة المقصر وعدم الأداء الجيد للعديد من الوزراء الذين لم يؤدوا واجبهم في اختصاصاتهم وضمن المنهج الوزاري المقرر. وحيث ان الكتلة النيابية الأكثر عددا هي المكلفة بتشكيل الحكومة وفقا للمادة ( 76 ) من الدستور، فإنها مسؤولة أمام مجلس النواب عن التطبيق الفعلي للمنهاج الوزاري، ومسؤولة أيضا عن الانسجام في العمل بين الوزراء ضمن هذه الكتلة أو من خارجها، اذ ليس بالضرورة ان يتم حصر توزيع المناصب الوزارية بين الأحزاب والشخصيات التي تتشكل منها الكتلة النيابية الأكثر عددا في المجلس، حيث يمكن الاستعانة بشخصيات من خارجها تتمتع بالخبرة والقابلية من حملة الشهادة الجامعية أو ما يعادلها وتحوز على ثقة الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، ويزخر العراق بأسماء وقابليات وإمكانيات للعديد من الشخصيات الكفوءة التي لا تنتسب لحزب أو تنتمي الى كتلة معينة وجلها من الكوادر التكنوقراط ونحن بأمس الحاجة إلى فريق عمل من الوزراء المنسجمين والمتطلعين الى مرحلة عمل لإعادة الترميم والبناء والنزاهة ضمن فترة تعوض لنا مافاتنا من زمن.
إن التطبيق الديمقراطي يمنح الحرية لهذه الكتلة أن تتحمل المسؤولية باعتبارها ستكون مسؤولة عن تنفيذ السياسة العامة للدولة ضمن المرحلة التي تتولاها، ولا يلزم من تتم تسميته رئيسا للوزراء اعتماد التوافقية أو نظام المحاصصة التي أنتجت نظاما مشوها ومردودات سلبية كان المواطن العراقي الخاسر الأكبر فيها، وخلقت لنا نظاما مشوها وهجينا ومرفوضا لم يسهم في حل مشاكل العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي ضياع المسؤولية وخسارة البلد زمنا جديدا.
ان الوزير الذي يتم اختياره من قبل رئيس الوزراء ينبغي ان يكون وزيرا ضمن مجلس الوزراء وليس وزيرا للحزب الذي يرتبط به، باعتباره وزيرا للحكومة العراقية الاتحادية، وضمن هذا المفهوم يكون العمل الفعلي لتطبيق ما يخصص له المنهاج الحكومي، وهذا التكليف الوطني يجعله منسلخا عن قوميته أو مذهبه أو حزبه بقدر تعلق الأمر بعمله ليكون لكل العراقيين معتمدا مبدأ المساواة بينهم أمام القانون، وبقبوله هذا التكليف لا يمكن له ان تكون له شخصية مزدوجة فهو إما أن يكون مع الوزارة ويتحمل المسؤولية بالتضامن، أو أن يكون مع المعارضة الايجابية للسلطة، فلا يمكن قبول ان تكون له رجل مع الحكومة ورجل مع المعارضة، وهو مسؤول أمام شعبه لأداء مهمة وطنية وأمانة تم تكليفه بها ليكون بمستوى تلك المهمة، وحتى يمكن تحقيق الإنجازات على ارض الواقع بانسجام ملموس بين فريق الحكومة.
أن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي مرهون بانسجام العمل بين الوزراء والشخصيات المكلفة بقيادة البلاد، كما انه مرهون أيضا بإيمان السادة المذكورين بالمبادئ الأساسية للدستور باعتباره نافذا ويمكن تعديل بعض بنوده بالطريقة التي رسمها، وكذلك الأيمان بضرورة تخليص العراق من جميع المجموعات الإرهابية مهما كان شكلها ولونها ودينها وطائفتها، وان صيانة الحريات العامة والخاصة تقتضي ان يكون السلاح حصرا بيد الدولة وان الدستور منع في الفقرة (ب) من المادة (9) تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة.
وان تداول السلطة لا يمكن ان يكون إلا وفقا للوسائل السلمية التي نص عليها الدستور، وأن في العراق محكمة اتحادية عليا تفصل في القضايا الخلافية تكفل الحق لمجلس الوزراء ولكل من ذوي الشأن من الأفراد أو غيرهم حق الطعن بالقرارات والأنظمة والتعليمات الصادرة من السلطة الاتحادية، وانه لا تحصين لأي عمل او قرار إداري من الطعن، وان يؤمن الجميع بأن الدستور ملزم للجميع بما ورد فيه من حقوق وحريات للأفراد من بينها الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأن كل خرق لهذه الحقوق والحريات يستوجب المسؤولية القانونية، وان نسعى جميعا كعراقيين لرفع مستوى الوعي في جميع المجالات للمواطن العراقي.
وعلينا ان نضع أمام أعيننا جميعا ان لا احد فوق القانون، وأن جميع المسؤولين الذين ارتكبوا الجنايات والجرائم والمخالفات التي يجرمها القانون يخضعون الى المسائلة والمحاكمة مهما كانت تسمياتهم او الجهات التي ينتسبون اليها، وأن مثل هذه الجرائم لاتسقط بالتقادم في القانون العراقي، وأن لا سلطة فوق سلطة القانون.