1-2
كفل الدستور العراقي في المادة ( 15) منه حق الفرد في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة، وهذه الكفالة للحقوق تسري على جميع العراقيين دون استثناء، ودون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، وتأتي هذه الكفالة ضمن الحقوق المدنية التي أكدها الدستور باعتباره القانون الأسمى والأعلى في العراق. كما أكدت الفقرة الأولى من المادة ( 37 ) من الدستور أيضا على أن حرية الإنسان وكرامته مصونتان.
حيث أن الأصل أن يضمن الدستور والقانون حرية الإنسان وعدم تقييدها، وحماية تلك الحرية، إلا أن هناك حالات محددة تخرج عن الإطار العام الذي حدده الدستور يتم اللجوء إليها وسلوكها وفقا للضوابط القانونية التي حددها القانون، وهذا الخروج المبرر تقوم به حصرا سلطة التحقيق المختصة .
غير أن القانون نظم الطرق القانونية التي يجوز فيها للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة، أن يلجأ الى تقييد تلك الحرية مؤقتا، لاعتبارات حددها في سبيل التوصل الى الحقيقة في القضايا التحقيقية المكلف بانجازها، مع الاعتبار إتباع إجراءات خاصة بصدد ما يفرضه الدستور أو الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي من حصانة لبعض الأشخاص المتمتعين بالحصانة التي يخولهم إياها الدستور العراقي أو القانون الدولي العام .
إن تأسيس دولة القانون وترسيخ مبادئ العدالة الجنائية تعتبر من أهم ركائز المُجتمع الديمُقراطي، والمقصود بالدولة التي تعتمد القانون، هي السلطة الأمينة على تطبيق مبدأ سيادة القانون باحترام حقوق الإنسان في المجتمع ، والالتزام بتطبيق النصوص الدستورية بشكل عام و الخاصة في باب الحقوق والحريات، واحترام تلك الحقوق اللصيقة بالفرد منذ ولادته وحتى وفاته، ولا يُمكن حِرماًنه مِن جوهرها لأي سببٍ.
إلا وفقا للقوانين كما أن هذه الحريات غير قابِلة للتصرُف والانتهاك من قبل السلطة، فهي ليست عطيةٍ أو هِبةٍ من الدولة، وبالتالي يتعين على السلطة باعتبارها جزء من الدولة، أن تراعي التطبيق المتساوي والأمين للنصوص القانونية تأسيسا لمبدأ المساواة التي نص عليها الدستور ، حيث ساوى الدستور العراقي بين المواطنين أمام القانون دون تمييز، وتحقيقا لتأسيس أرضية وقاعدة لدولة القانون، وأيضا حماية للمجتمع من أي تعسف أو خرق أو تجاوز على حقوق وحرمانه من التمتع بها.
مع الاعتبار أن للسلطة أحيانا وفي حالات محددة أن تقوم بتقييد أو التجاوز على تلك الحرية في حالات استثنائية ترد حصريا في نصوص الدستور وقانون أصول المحاكمات الجزائية، وهذا الأمر لاينحصر في الدستور والقوانين العراقية، إنما يمكن أن يكون مبدأ عام تلجأ إليه غالبية دول العالم وقوانينها.
نظم قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ضمن أحكام الفصل الثاني من الباب الخامس الإجراءات القانونية التي تلازم عملية القبض على المتهم كأجراء من إجراءات طرق الإجبار على الحضور أمام سلطة التحقيق.
وكان قانون أصول المحاكمات الجزائية قد أكد ضمن المادة 92 منه على انه لايجوز القبض على أي شخص أو توقيفه إلا بمقتضى أمر صادر من قاضي أو محكمة أو في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك. ونجد أن وجود هذا النص في قانون أصول المحاكمات الجزائية يغني عن تكرار وروده ضمن الدستور، سيما وأن الدستور يضم المبادئ التشريعية العامة التي تؤسس القوانين عليها، وبهذا التكرار الذي لايغني، يكون تأكيد الدستور الذي يؤكد على ضمان حرية الإنسان وكرامته قد كرر نصا قانونيا ملزما.
والقبض يعني التقييد والأمساك وإجبار الشخص على الحضور أمام سلطة التحقيق وتقييد حريته بهدف استجوابه ، ووضعه تحت تصرف تلك السلطة مدة قصيرة ، ومن ثم إصدار القرار القانوني بصدد أطلاق سراحه أو توقيفه من قبل تلك السلطة القضائية المخولة قانونا .
وغالبا ما يكون أمر القبض الصادر من المحكمة مكتوبا من الجهة التي قررت إصداره وهي الجهة ذات الاختصاص ، حيث يتضمن الأمر موجها الى أعضاء السلطة التنفيذية بالتخويل لتنفيذ أمر القبض الصادر بحق متهم محدد بالاسم والعنوان، ويتم تنفيذ الأمر ولو أدى ذلك الى استعمال القوة في سبيل إتمام القبض جبرا بحق المتهم ، ويعتبر أمر القبض من الإجراءات الاحتياطية التي تخالف الضمانات التي وفرها الدستور للفرد، باعتبار أن الحرية الشخصية مكفولة، غير أن المشرع نفسه وضع ضمانات كافية لصيانة هذه الحرية ، باعتباره يرفع عنها غطاء الحماية (مؤقتا) في حال وجود اتهام بارتكاب جريمة تم ارتكابها على الحق العام أو على شخص آخر له نفس الحماية في الدستور والقانون. حيث لم يجوز القانون القبض إلا في حالات محددة سنأتي على ذكرها لاحقا ، بالإضافة الى أن المشرع نفسه ومن أجل حماية الفرد من التعسف في استعمال القانون من قبل السلطة التنفيذية، نص على عقوبات في متن قانون العقوبات العراقي النافذ، ضمها باب تجاوز الموظفين حدود وظائفهم في المواد من 322- 341 عقوبات.
ويذكر أن نص المادة 322 من قانون العقوبات تعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه أو حجزه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون.
وتكون العقوبة السجن مدة لاتزيد على عشرة سنين أو الحبس إذا وقعت الجريمة من شخص تزيا بدون حق بزي رسمي او اتصف بصفة كاذبة أو ابرز أمرا مزورا مدعيا صدوره من سلطة تملك حق إصداره.
والمتمعن في النص الدستوري والقانوني يجد أن الأصل هو ضمان حرية الإنسان، وان تقييد هذه الحرية في حالات محددة مقيد أيضا وفقا للقانون، وضوابط القانون حددها النص بمقتضى أمر صادر من ( قاضي ) أو ( محكمة ) أو ( في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك )، وعليه لايجوز القبض على الإنسان في غير الحالات المنصوص عليها قانونا ، بالإضافة الى معاقبة كل من يتعسف أو يتجاوز على هذه الحقوق.
الأصل أنهُ لا يجوز إلقاء القبض على الشخص أو احتجازه دون رغبته أو عزله عن الآخرين لما في ذلك من تقييد للحق في الحُرية.
إلا أن حق المُجتمع في مُعاقبة مُرتكبي الجرائِم يرتبط بتقييد بعض تِلك الحقوق، بالإضافة الى ما تتطلبه ظروف القضية التحقيقية.
تابعونا في الجزء الثاني