اختلاجات عراقية (2)
أسوأ انواع التجارة هي التجارة بالدين وأسوأ أنواع المضاربات هي المضاربات المذهبية والعرقية.. كلاهما يتربح من بيع دم الاتباع دون ادنى ذرة اخلاق..
حكم الاسلام السياسي ومليشياته الدموية العراق بقبضة فولاذية بعد سقوط بغداد عام 2003م وبسماح من المحتل الامريكي اوضوء اخضر او غض نظر منه ، ووضع الأكثرية تحت اكذوبة تهديد عودة حزب البعث والديكتاتورية وتلك الاحزاب الاسلامية مليئة بقيادات بعثية عليها ما عليها من فساد وجرائم ضد الانسانية، وتاجرت الاحزاب العراقية بمظلوميات الطوائف والمذاهب والاعراق "مع الاخذ بعين الاعتبار الاستثناء لحزبين او ثلاثة". سـيـست الدين ودينت السياسة فخربت السياسة والدين بشكل لايتصوره عقل. اما في شمال العراق لعب ساسة الكرد على القومية والعرقية من اجل الانفصال مع سبق الاصرار والترصد. وبات هذا مستحيل بالوقت الراهن في ظل معارضة ايران وتركيا وبعض دول القومية العربية واكثر ما يخيف هذه الدول المعترضة المطالب الدينية والاثنية والعرقية لمكوناتها التي تهدد وجودها وبقاءها كدول تنعم بالسلم الاهلي والتنمية والامن ولو في حدود مقبولة جدا رغم انها لم تبني دولة المواطنة. وبعد اكثر من عقد نفذ رصيد من يلعب على الطائفية والانفصال، وسرع من هذا النفاذ الحروب بالوكالة والاٍرهاب العابر للقارات والازمة الاقتصادية وبدات الشعوب تنتقل الى حالة الرفض العلني والتململ حتى من اتباع هذه الطغم والمافيات السياسية الحاكمة، ونفذ صبر الشعب العراقي في تحمل القتل والرزايا والنهب الغير مسبوق بعد ان عاثوا بالبلاد فسادا ما يسمون انفسهم ساسة العملية السياسة الذين قسموا المجتمع طائفيا ومذهبيا وعرقيا. وهذا يجري عكس روح العولمة التي فرضت ثقافة مغايرة تماما وكوسموبوليتية متمايزة وتوحد العالم عبر "الانترنيت" الذي الغى كل الحدود. ان عالمنا اليوم عالم الافتراضي والتكنلوجيا الرقمية المتحكمة بالسياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع.
ظنت تلك الطغم ان رصيدها الجماهيري الذي كونته بالمال او غسيل المخ بالخرافات والاوهام بالترغيب او التهديد ستبقى بأمن من الانتفاضات الشعبية التي رفعت شعار المواطنة والعدالة الاجتماعية والسبب الاخر الغير مباشر هو ماحدث من ربيع عربي وان فقد بريقه بسبب النتائج العكسية التي وصل اليها لأسباب عديدة داخلية وخارجية وتاريخيةً الا انه فتح أبواب المطالَبة بالحريات العامة والديمقراطية والمساواة وهذا يتضح من خلال المظاهرات بشكل جلي وواضح كما هو حاصل في العراق اومن خلال "السوشيال ميديا" والمواقع الالكترونية في بقية دول المنطقة لكنه سيتطور ويكبر ويصل للحظة حرجة.
لحظة الانفجار لكن باثمان باهضة ان لم يبدا الحكام بمعالجات تدريجية سياسية وتنموية واقرار العدالة ونقل تجارب من سبقنا في تحقيق دولة الرفاه والقانون ولو بالحدود الدنيا لنزع فتيل الانفجار القادم لامحال.
ان تطلعات الشعوب لايمكن التخلي عنها مهما طال زمن الاستبداد ورغم حجم الآلة الإعلامية للسلطة التي تضخ ملايين الدولارات في سبيل تشويه اي حراك جماهيري او تخويف لما يحصل من نتائج عكسية لان هذه الحكومات لم يرد في ذهنها برامج التغيير ولا التنمية المستدامة وتأثير العولمة.
هذا ما لم يستوعبه ساسة العراق ونقلوا اسوء ما موجود في التاريخ من تجارب مثل "اللبننة والبلقنة" واسوء الآعراف السياسية الغير سوية على الاطلاق ومصابون بعمى في الرؤية والمفاهيم. فبات سقوط ورحيل الطغمة السياسية في العراق مسالة وقت.
رغم الخسائر التي ضربت وجود وكيان الامة العراقية وشرخت الأمن المجتمعي للبلاد وقضت على فسيفساءه الجميل الغير موجود باي بقعة على ارض المعمورة. ورغم ارتماء هذه الطغمة بين احضان الدول المجاورة والبعيد لكن لعبة المصالح هي التي تتحكم بالسياسة ولااعتبارات اخرى سوى المصالح التي تحكم العلاقات الدولية القائمة اليوم لهذا نشهد تبادل النفوذ على العراق بوضوح الذي يرجح كتلة سياسية على اخرى في المشهد السياسي العراقي والنتيجة سيكون الشعب العراقي الخاسر الوحيد والضحية الوحيدة وتدمير مقدراته. ان ما حصل على أيدي الأحزاب العراقية من خراب ستبقى اثاره على مدى عقود واجيال الا اذا حدثت معجزة في تغيير البنية السياسية جذريا وهذا يتطلب كتابة دستور جديد وتشريع قانون انتخابات جديد والشروع ببناء مؤسسات الدولة التي أنهكتها الأحزاب واستولت عليها بنظام المحاصصة او بالقوة.
والتاريخ شهد معجزات كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية عندما خرجت ألمانيا مدمرة واليابان وكوريا الجنوبية وهذه البلدان تجاوزت محنتها وخرابها في غضون بضعة سنوات ليس بسبب العرق والدين وازدهرت علميا واقتصاديا وسياسيا وقفزت بمصاف الدول المتقدمة بل متقدمة جدا. او بسبب نساء ورجال منقذين كما في سنغافورة وماليزيا والبرازيل وكوبا " في التعليم والصحة" وبلدان عديدة تشهد استقرار ونمو وبنى تحتية وجيوش قوية ومؤسسات رغم تفاوتها النسبي ومن الجنون مقارنتها مع الوضع في العراق الذي ينام على 30 الف معلم اثري وثروات بترولية ومعدنية لا تقدر بثمن علما ان كل الامثلة السابقة بلدان غير نفطية بل تستورد الطاقة والمعادن. العراق منذ 2003م لم يستطيع بناء اي شيء ومعلم يذكر يشار اليه بالبنان ، دائما ياتي اسفل قائمة الدول الفاشلة والفاسدة.
هذا امر ليس محزن ومؤلم بل فجائعي بكل ما تعنيه الكلمة.
ان بقاء الحال على ماهو عليه امر مستحيل بعد ان استنفذ الساسة كل الآعيبهم وادعاءآتهم الدينية والسياسية وان طبيعة المجتمع العراقي ونفاذ صبره وعمقه الانساني والحضاري وجغرافيته ومصيره تحتم عليه بقاءه موحدا مهما كلّف الامر بوجه كل المخاطر التي تهدد وجوده وانسانيته.
دون ذلك سيستمر التطاحن والارهاب والجميع خاسر. ويبقى الامل بالوعي والاعتصام السلمي والتظاهر الحضاري او من خلال الافتراضي ووسائطه المختلفة ملاذنا الأخير وذلك اضعف الإيمان لبناء ثقافة وتفكير غير نمطي وغيرتقليدي في المواجهة وارسال الرسائل والتصدي لتحقيق المطالب والكرامة للجميع في ظل دولة المواطنة مثل بقية خلق الله.