ان يصل المشهد السياسي في العراق الى هذا الحد السريالي والعبثي نتيجة طبيعية، لان من يمسك بكرسي المسؤولية لم يغادره اما بالقوة او بامر من أسياده وان غادر سيرفع شعار المعارضة والعمل ضد العراق والعملية السياسية التي اتت به من اجل العودة من الشباك بعد ان خرج من باب الفشل والفساد والاجرام من دون حساب او عقاب. فلا غرابة ولاعجب ان نسمع تخبط وازدواجية الخطاب لمكونات هذه العملية السياسية العقيمة التي بنيت على المحاصصة الطائفية والعرقية وتقاسم الكعكة وكأن العراق تركة اوعقار ورثته الاحزاب وبعض العوائل المتنفذة. ولاغرابة ولاعجب ان ترفع الكتل السياسية شعارات ومطالب المتظاهرين من اجل ارضاء الراي العام والالتفاف عليه وسحب البساط من تحت اقدام المتظاهرين متناسين انهم من يحكم العراق منذ 13 عام وتحاصصوا بكل مفاصل ومؤسسات الدولة وحولوها الى اقطاعيات لعوائلهم واحزابهم متخفين وراء مظلومية المذهب او القومية وبكل وقاحة يعترفون بفشلهم وتسببهم بخراب البلاد.
ان الموجة العارمة التي صنعتها ثورة المهمشين والمظلومين من كل شرائح المجتمع واقتحام المنطقة الخضراء ودخول البرلمان جعل كثير من اطراف العملية السياسية تغير خطاباتها وتعيد حساباتها وان مؤقتا وركوب موجة الاصلاح بعد ان أيقنوا ان زمام المبادرة بيد المتظاهرين ورفعوا شعار لم ولن يؤمنوا به يوما من الايام "حكومة عابرة للمحاصصة الطائفية " وقبل ليلة من اقتحام البرلمان يخطبون بحماس ان العراق بلد طوائف ولن يتنازلوا عن المحاصصة، ببساطة لانهم لايريدون تغيير قواعد اللعبة والحفاظ على مكتسباتهم التي حصلوا عليها من المحاصصة الطائفية وسهلت لهم السيطرة على كل مفاصل الحكم وبسببها انتشر البؤس وعسكرة المجتع والفوضى الامنية وضعف اداء البرلمان الذي اصبح مهزلة بسبب سياسة لي الاذرع بين كتله المتناقضة وغابت ابسط مسؤوليات الدولة في تقديم الخدمات والامن واستقلال القضاء.
مع فداحة وعبثية المشهد السياسي وتدخل الاطراف الدولية بشكل سافر وسلبي غير معهود في العلاقات الدولية مع ذلك بقي الشعب العراقي صامدا رافضا للطائفية والارهاب بكل مسمياته، ورغم الالة الاعلامية الضخمة للطغمة المتنفذة وصخبها المذهبي والعرقي بقي الشعب العراقي متمسكا بخيار دولة المواطنة التي عمادها القانون والعدالة الاجتماعية.
ان في اقتحام المنطقة الخضراء بعث الشعب العراقي رسائل رفض قاطع للداخل والخارج واكد ان صبره اقوى من كل الحكام الا ان مخلفات الاحتلال لم يقرأوا هذه الرسالة ولم يستفيدوا من اخطاءهم وهم يدركون قبل غيرهم ان تجاهل المطالب الشعبية لم تصلهم لاي نتجة وما المبادرات ووثائق الشرف الفارغة المضمون ما هي الا ذر الرماد في العيون ولم تنطلي على المواطن البسيط.
ليس من المعقول ان نطلب من الفاسد والسارق ان يؤتمن على مقدرات الشعب وان يصلح ما افسدته العملية السياسية وفي ظل غياب تطبيق القانون ومحاسبة حيتان الفساد الذين يحتمون بالكتل السياسية التي تحكم منذ 2003 م وجاءت مع المحتل.
ان هؤلاء اصبحوا خصما للشعب العراقي بسلوكياتهم وخطاباتهم المضحكة التي يغيروها بين ساعة واخرى لامتصاص الصدمة وغضب الجماهير، وادعاءآتهم بحماية الشرعية والقانون نكتة سمجة مثيرة للسخرية.
ان تحمل الشعب طيلة عقد من الزمن لايعني ان يستسلم ويفرط بحقوقه الشرعية والوطنية.
مع كل هذا بقي الشعب العراقي يتظاهر سلميا ويقاوم بكل صبر وعنفوان من اجل استرداد حقوقه وحريته منذ عام 2011 م.
دخول البرلمان وصمة عار بحق الطبقة السياسية التي ولت الهروب والاختفاء بشكل مهين لكن لاحياء لهؤلاء وعادوا لاعتلاء المنابر الاعلامية بخطبهم الممجوجة واحلامهم الطائفية والمذهبية النتة. كما عرى اقتحام المنطقة الخضراء زيف امريكا وديمقراطيتها التي تريدها للعراق واسقطت القناع الايراني وادعاءآته بالدفاع عن مظلومية الشيعة في العراق
ان ما لم يقرأه خصوم الشعب العراقي هو اصرار العراقي في نيل حريته وكرامته وصبره الذي لامثيل له مهما طال الزمن ورغم مخرز الفساد والارهاب المغروس في خاصرة الوطن:
{ صبر العراق صبور انت يا جمل
وصبر كل العراقيين يا جمل
صبر العراق وفي جنبه مخرزة
يغوص حتى شغاف القلب ينسمل
ما هدموا .. وما استفزوا من محارمه
ما اجرموا .. ما ابادوا فيه .. ما قتلوا}
ياصبر العراق على بلواه..