اليوم باتت االدولة العراقية اسيرة ومصادرة لمجموعة تحالفات الكتل السياسية النافذة التي تناهض بناء مؤسسات الدولة الدستورية وترفض تفعيل القانون لانه لايخدم مصالحها. ورغم الفترة القصيرة لاستلاءها على الحكم الا انها استطاعت ان تستحوذ على اقتصاد البلاد بطرق مختلفة وجني مليارات الدولارات مرة باسم الديمقراطية التوافقية ومرة باسم الدين والمذهب والمحاصصة الطائفية واثرت على معظم النخب ووظفتها لخدمة بقاءها في السلطة وحفرت عميقا في بنية الدولة علما ان هذه القوى السياسية تتحالف ضد المطالب الشعبية فقط وهي بنفس الوقت تتقاطع بعضها مع البعض وبات وجودها مرهون بقوة مليشياتها التي تداخلت مع قوى الامن والجيش وتغللت في كل مفاصل الحياة ولا تتوانى باستخدام السلاح والقمع وبات شعارها العلني "بعد ما ننطيها" وهذه ليست زلة لسان من قبل رئيس الوزراء الاسبق "نوري المالكي" بل قناعة جميع اطراف العملية السياسية في العراق المتمسكة بالمناصب والسلطة للرمق الاخير.
ان الخراب في العراق والتباس مفهوم الدولة هو غياب المرجعيات الدستورية او تهميشها رغم وجود دستور وقوانين لكنها بقيت حبر على ورق غير معمول بها ولا تفعل الا على المواطن البسيط والمغلوب على امره.
اصبح المواطن يعيش كابوس هذا الالتباس والفراغ الذي لا يؤمن الحياة الكريمة الامنة ولو بالحد الادنى وفقدان الحكومة السيطرة على الفساد والارهاب وهما وجهان لعملة واحدة. ان كل متابع للشأن العراقي يعرف مكمن الخطر على الدولة واسباب عجزها في معالجة التركة السابقة للنظام الديكتاتوري او معالجة ملفات خلفها الاحتلال او الازمات الاقليمية والدولية والاقتصادية.
اليوم اصبح العراق بيد الدولة الموازية للمليشيات والاحزاب المتنفذة والمرتبطة مع دول اقليمية لها مصلحة ببقاء العراق "لا دولة" ممزقا واسيرا او تابعا لقراراتها.
وحكام هذه الدول تخطأ مرة تلو الاخرى لعدم فهمها المجتمع العراقي الذي يرفض التبعية ولموقع العراق الجيو استراتيجي.
واذا سنحت الفرصة التاريخية لهم بالنيل من العراق نتيجة الاحتلال الامريكي هذا لايعني نهاية التاريخ العراقي لان العراق بلد يمتلك ثروات واقتصاد متنوع وشعب صبور ومبدع بكافة المجالات وملتصق بارضه ولا يساوم على بلده مهما اشتدت الخطوب ولنا في التاريخ عبرة فبغداد من اكثر عواصم العالم التي تعرضت للاحتلالات وبقي العراق.
ان العراق احد اعمدة الحضارة الانسانية والارث الانساني منذ الخليقة ولايمكن ان تلعب بمقدراته هذه المليشيات او دول لم تكن موجودة على الخارطة قبل بضعة عقود.
خلاصة القول مهما عمقت هذه الكتل السياسية واحكمت قبضتها على مؤسسات الدولة الا انها لن ولم تبقى طويلا وعمرها الافتراضي قصير جدا لاسباب داخلية وخارجية الا انها ستكلف الشعب العراقي مزيد من الدماء والخراب، ولطالما هناك مرجعيات وطنية واجتماعية حية ستعجل من تخليص العراق من هذه الفوضى القاتلة وما اقتحام المنطقة الخضراء للمرة الثانية من قبل المتظاهرين السلميين خير دليل لتحدي ورفض العملية السياسية القائمة من قبل الشعب العراقي بكل اطيافه.
ان تخبط وتناقض ردود فعل ما يعرف برموز الدولة والعملية السياسية دليل افلاس وخواء فكري ومعرفي لهؤلاء الفاشلين الذين اوصلوا العراق لما هو عليه من فوضى وارهاب وضياع وعدم امتلاكهم اية رؤية منهجية للحكم وبقاءهم مرهون بقوة المليشيات التي صنعها المال السحت وتدخل دول الجوار .