السينما جمعت الفنون السبعة وواكبت التطور التكنلوجي لحظة بلحظة.
وهي اختراع فني تكنلوجي بامتياز وتحتاج الى امكانيات مادية كبيرة وخبرات على درجة من الكفاءة والابداع لتقدم في النهاية الفيلم كمنتج ينتهي في صالة العرض ودور السينما لينال رضا الجمهور في المتعة والابهار والمعرفة بالصورة والصوت ومن خلال اللغة الاشارية الديناميتية.
وتعتبر السينما من الادوات الفاعلة في تطوير الانسان والمجتمع والترويج لثقافات وتاريخ الشعوب ولاتخلو من الترويج للايدلوجيات والاجندة السياسية واهداف تخدم افكار وفلسفات بعينها.
ومن اهم عوامل تطوير السينما في بلد من بلدان العالم هو تسويق الفيلم كمنتج ثقافي جماهيري لذا يعتبر شباك التذاكر في دور العرض احد مقاييس النجاح، وايراداته المصدر الرئيسي لتطور صناعة السينما ومواكبة العصر والاستمرار في انتاج وانتعاش هذه الصناعة الفنية المركبة..
لم يتأخر العراق كثيرا في التعرف على السينما بعد عرض اول فيلم متحرك في العام 1892 اذ دخلت السينما للعراق في العام 1909 حين شهدت بغداد اول عرض سينمائي في مكان عام يرتاده الناس وسط بستان.
لست بصدد مناقشة تاريخ السينما العراقية هنا من خلال هذه الاشارة المقتضبة.
احاول تسليط الضوء على دور العرض السينمائي التي تعد ضرورة ملحة ومكملة للإنتاج السينمائي. فقد انشئت اول دار عرض سينمائي " سينما بلوكي" في العام 1911 في بغداد قبل ان يتوالى بناء دور السينما لتصل الى المائة في بغداد وحدها في فترة من الفترات.
كما لم تخل محافظة في العراق من دار عرض او دارين لها شهرتها وروادها ونمط الافلام التي تعرضها. وفي ظل غياب مؤسسة فاعلة للسينما في العراق وانتقالها من راعي الى لآخر خلق ضبابية وفوضى بدلا من انتظام هذه الصناعة الثقافية المهمة جدا في حياة الشعوب ونتيجة للأوضاع السياسية الاستبدادية تردت هذه الصناعة الفنية- الثقافية وتلاشت وعلى الرغم من مرور اكثر من قرن على دخول السينما الى العراق لم نشهد اي تطور او ترسيخ للسينما سواء في الانتاج او العرض.
لا تستطيع اي صناعة سينمائية ان تتطور ما لم يكن هناك جمهور يساهم في رفدها، ودور العرض السينمائي تشكل الحلقة الاهم او حلقة الوصل الاولى بين هذا المنتج والمستهلك اذا صح التعبير او السوق الذي يعتمد على العرض والطلب وبالتالي تحقيق الارباح التي تضمن تطور السينما وازدهارها.
ان اهمال وتهميش السينما ادى بالنتيجة الى اهمال وتهميش دور العرض السينمائية وتهميشها تماما وكأنها حاجة لامعنى لها ولا تدخل حتى ضمن عملية والترفيه.
في معظم بلدان العالم تمثل دور العرض السينمائي اهم النشاطات الثقافية ومصدر من مصادر المتعة والمعرفة، وشهدت تلك الدور تطورا كبيرا في ادخال احدث التقنيات الرقمية وتطورا متناميا ومذهلا في العقد الاخير من هذا القرن مما ضاعف ايراداتها بسبب اقبال الجمهور على مشاهدة الافلام حيث تضاعف بشكل لا يصدق. بالتالي تم توظيف تلك الموارد لتطوير صناعة السينما ككل.
واشتد تنافس شركات الانتاج السينمائي بشراسة واستخدام اخر التقنيات الحديثة من اجل ارضاء اكبر عدد من الجمهور وتحقيق الارباح.
كل هذا لا يتم بدون تحديث صالات ودور العرض السينمائي التي تستخدم التكنلوجيا الحديثة.
وبسبب هذه الطفرة الكبير في اهتمام الشعوب بالسينما قد ظهر منافسون جدد لصناع السينما في الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا.
في مناطق بعيدة لم تعرف تلك الصناعة من قبل ولم توليها اهتمام كبير مثل الهند وايران ومصر التي تعد رائد السينما في الشرق الاوسط، على الرغم من انها لم تسبق العراق كثيرا في بدء الانتاج وبعد مرور قرن من الزمان اصبح رصيدها ما يربو على 4500 فيلم، وهناك اكثر من 400 الف عامل يعملون في هذا القطاع حاليا وربما هذه احصائيات قديمة، اضافة الى ذلك ترفد خزينة الدولة بأموال الضرائب التي تدفعها شركات الانتاج السينمائي.
وتعد السينما من اهم الوسائل الترويجية للسياحة في البلد المنتج او البلد الذي تصور به تلك الافلام.
لعل مصر من اغزر البلدان في المشرق والوطن العربي انتاجا سينمائيا، على الرغم من انها تمر بحالة ركود اقتصادي وما شهدته من قلاقل وتغيير سياسي، لكنها تمتلك بنية تحتية ولوجستية ممتازة ومتكاملة. اضافة الى حفاظها على دور عرض سينمائية منتشرة في عموم البلاد وما تحققه من ايرادات محلية تمكنها من الانطلاق من جديد واعادة بناء الانتاج من جديد، ولو قارنا بين مصر والعراق بعد مرور اكثر من قرن على دخول السينما وانشاء دور العرض فيهما، نجد ان لا وجه للمقارنة بين ما حققته مصر وما هو عليه العراق سينمائيا او في الحفاظ على التراث والمنشات الخاصة بصناعة السينما حتى الارشيف تم التلاعب به واختفاء جزء منه او العبث به من قبل جهات مجهولة.
ان السينما في مصر استطاعت ان توفر جزءا كبيرا من المال اللازم من شباك التذاكر ونمو شركات الدعاية والترويج للفيلم المصري وتطوير دور العرض واستقطاب الجمهور من مختلف الشرائح في حين بقيت السينما العراقية سينما نخبوية محصور بنطاق ضيق يكاد يكون محصور في العاصمة وهذه حال كل النشاطات الثقافية الاخرى فتقلصت العروض الجماهيرية.
فأهملت دور العرض على اهميتها، وبعضها يشكل جزءا مهما من الذاكرة العراقية.
اضافة الى مزاياها كأيقونات معمارية متميزة وفريد، وبدلا من صيانتها وتوفير الرعاية والحفاظ عليها جرى تدميرها بحقد ومسخها بشكل عشوائي بعد الاحتلال الامريكي للعراق 2003 .
اصبحت محالا لبيع الخردة او ورش للحدادة والنجارة او استولت عليها بعض الاحزاب بعد ان نهبت وهجرها الجمهور واصبحت نسيا منسيا ولم نشهد اي حملة للمطالبة ببقاء هذه البنايات كملك عام لا يجوز التصرف به حتى من قبل المتخصصين والعاملين في قطاع السينما والمسرح في العراق.
اخيرا انا من جيل عشق السينما وشغفت بالأفلام التي كانت تعرض على الشاشة الكبيرة او تقدم من التلفزيون ومن جيل كان يترقب بشغف متابعة برنامج السينما والناس الذي تقدمه المبدعة الدكتورة "اعتقال الطائي" والذي اسهم بدخول الثقافة السينمائية والتذوق الجمالي للفيلم السينمائي للبيوت العراقية ولمن لا يجد لدخول دور العرض السينمائي سبيلا.