السياسة تخلت عن اخلاقياتها منذ زمن بعيد ولم تعد الدول جمعيات خيرية كما يصورها البعض بل قوة غاشمة لتحقيق مصالح اقتصادية ومكاسب جيو - استراتيجية تخدم اجندتها وتعزز من قدراتها الاقتصادية ونفوذها. وتركيا اوردغان نجحت في تحقيق طفرة اقتصادية وعمرانية داخل تركيا وهذا لاينكره احد، ومدت اجنحتها العثمانية باللعب على الورقة الطائفية والعرقية، كما نجح اوردغان بخداع العالم لعقد من الزمن باستغلال اكثر من ملف اقليمي ولعب على الحبل الديني كثيرا وفي الوقت ذاته يمجد الاتاتوركية العلمانية في مناسبات عديدة استرضاء للغرب.
وساهم في التاجيج الطائفي ومساعدة الارهاب وشراء النفط من داعش لا يحتاج الى ادلة حتى لو رضي عنه خصمه العنيد الرئيس الروسي فلاديمر بوتين. وفي الوقت الذي يقف اوردغان الى جنب كردستان العراق بتنسيق كامل في كل المجالات يقمع بقسوة كرد سوريا وتركيا.
وبعد ان استغل مناكفاته مع شمعون بيرز في مؤتمر دافوس عام 2009 وظهوره كخليفة للمسلمين وواجبه الشرعي والاخلاقي يحتم عليه في الدفاع عن القدس وفلسطين اليوم يعقد صفقات استراتيجية مهمة مع اسرائيل التي تصادر الارض وتتوسع بجنون في مستوطناتها وتحاصر غزة بقسوة. بعد ان وصل الرئيس التركي طيب رجب اوردغان الى طريق مسدود وتبددت احلامه في الصلاة بالمسجد الاموي في سوريا بدا بالتراجع وبيع تحالفاته الاسلامية والاقليمية بالجملة دفعة واحد بانتظار تغيرات دراماتيكية لا احد يستطيع التنبؤ بها خصوصا بعد ضرب العمود الفقري للاقتصاد التركي "السياحة" ومطار اتاتورك الذي يؤمن نقل المسافرين والسياح ويعد اكبر رابع مطار بالعالم وله شهرة عالمية. السؤال الم يفكر اوردغان تصحيح سلوكياته العدائية بعد كل هذه الاخفاقات الجهنمية بحق شعبه وشعوب المنطقة والاعتذار للجميع عن سياساته القمعية للأعلام في الداخل ولمساعدته للمنظمات الارهابية العابرة للقارات سواء بتمكينها من المرور الى سوريا والعراق او بشراء ما تنهب من ثروات كلا البلدين الجارين؟؟
ان السلطان اوردغان الاول لازال مشغول بالتجوال في قصره المؤلف من الف وثلاثمائة غرفة ولا يهمه خسارة الشعوب لأرواح ابناءها وثرواتها؟
ولسان حاله يقول انا وما بعدي الطوفان.. ولايهمه بألحاق الاذى حتى بشعبه وهذه من طبائع الاستبداد العثماني المتوارث الذي يتلبسه..
البابا يحذر وعدم اليقين سيد الموقف..
فعلا دخل الاتحاد الاوربي في منطقة عدم اليقين بعد الاستفتاء الصادم لخروج المملكة المتحدة وفشل قادة الاتحاد في اقناع بريطانيا بالخروج الفوري لحسم الامر وحث بريطانيا لتطبيق المادة الخمسين اي البند المتصل بالخروج الطوعي من الاتحاد الاوربي. وهذا يحصل لاول مرة في تاريخ الاتحاد الاوربي ويعد سابقة اكثر من خطيرة وبريطانيا تبني على السوابق معظم قوانينها ولم يوجد لديها دستور يلزم اصحاب القرار بالتراجع عن هذا الاستفتاء المزلزل، مع علم الجميع ان ماهية العلاقة لما بعد خروج بريطانيا ستتطلب وقت قد يستغرق عامين او اكثر. يبدو ان الزعماء البريطانيين لم يكونوا على عجلة من امرهم لمعرفتهم المسبقة بعدم وجود اي ضغوط تجبرهم على حسم الامر، وان وجدت من قبل فرنسا - هولاند والمانيا - ميركل لم تفلح في الخروج من هذه الضبابية التي تسببت بعدم الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم وفي بريطانيا نفسها. ان بريطانيا لم تك لقمة سائغة للانهيار والتفكك وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحتل ولا لمرة واحدة وحكمت العالم بإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولدى البريطانيين الانفصاليين عن الاتحاد الاوربي شعور عاطفي وقومي لا يسمح بهزيمة بريطانيا وستستخدم كل اوراق اللعب للخروج باقل الخسائر رغم تعالي الاصوات للمتظاهرين المؤيدين للبقاء ضمن الاتحاد الاوربي وقادة القارة العجوز . وكان تشرشل محقا حينما قال اذا مات الانكليز ماتت السياسة وليس بالضرورة ان يتفق المرء مع تلك السياسة.
ان اعتراض بريطانيا على بعض بنود الاتحاد الاوربي بخصوص الهجرة وانتقال الاشخاص والاموال بين دول الاتحاد لم يكن بجديد لكن هناك دول تعاني من قلة النمو السكاني وبريطانيا لا تريد تحمل هذه الاعباء ولم توافق عليها وهي تعرف مسبقا ان خروجها سيؤدي ويثير عاطفة اخرين في الاتحاد للحاق بها والانفصال عاجلا ام اجلا ان لم يغير الاتحاد الاوربي من سياساته البيروقراطيته داخل الاتحاد واتخاذ مواقف اكثر شفافية من الحروب التي يساهم فيها بشكل او باخر بمعزل عن شعوب الاتحاد الاوربي والراي العام.
وبهذا يصبح الاتحاد في منطقة الخطر الحقيقي بالتفكك والبلقنة وهذه الفكرة لم يتطرق لها الجميع سوى البابا فرنسيس عند العودة من زيارته الى "بريفان" الارمنية واحياءه لذكرى مذابح الارمن خلال الحرب العالمية الاولى على يد الدولة العثمانية.
ان تحذير البابا كان له ما يبرره من بلقنة اوربا ودعي الى الجميع الى تحمل المسؤولية بإعطاء قدر اكبر من الحرية والاستقلالية واشارته الختامية التي اكد فيها بكلمتين اساسيتين على الابداع والخصوبة لهما اكثر من دلالة ونذكر ان للبابا موقف ضد الهجرة الى اوربا لغير المسيحين خوفا من تغيير البنى الثقافية والاجتماعية الاوربية.
وذكرنا هذا بالتفصيل في مقال منشور في بانوراما العدد 0358 في 26 شباط 2016"اللاجئو فوبيا".
ان مخاوف وتحذرات البابا فرنسيس لم تأتي من فراغ فالفاتيكان لاعب اساسي في القارة الاوربية وله تأثير في كل التغييرات والاحداث التي يشهدها العالم. في ظل عدم اليقين لا احد يستطيع التكهن بما يحدث لاحقا لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوربي ومهما كان شكل الطلاق بينهما لا احد يضمن عدم قيام مناطق اخرى بالمطالبة بالانفصال وتبقى هذه المخاطر قائمة كانفصال كاتالونا في اسبانيا واقاليم اخرى او صعود اليمين المتطرف في فرنسا لسدة الرئاسة ودول اخرى في الاتحاد الاوربي.