اذا فرضت على الانسان ظروف غير انسانية ولم يتمرد سيفقد انسانيته شيئا فشيئا
تشي جيفارا
تكونت العملية السياسية في العراق بعد الاحتلال الامريكي المشؤوم من مجموعة اخطاء ارتكبها المحتل واعوانه المحليين والدوليين وتراكمات وسوقها من سوقها لمصالح شخصية وفئوية بدءا من مجلس الحكم الذي تناوب فيه 12 رئيس. حسب الحروف الابجدية. كل رئيس يحكم شهر ويذهب بعدها يقبض جواز سفر دبلوماسي وراتب تقاعدي وامتيازات من الدرجة الممتازة. ولا يوجد مثل هذا العرف او القانون في تاريخ الامم والسياسة، ومن ثم الجمعية الوطنية التي تولى بعض اعضاءها كتابة الدستور وانفسهم رفضوه عندما تقاطع مع مصالحهم لاحقا. وصولا للبرلمان بدورته الثالثة بممثليه الذين يدعون الوصايا بتمثيلهم للشعب العراقي ومن فاز بأصوات العتبة الانتخابية 30 ثعلب فقط وما جاء لاحقا لمجلس النواب اما بمقعد تعويضي او بأصوات رئيس الكتلة الذي ملك المال والسلاح ورضا هذه المرجعية الدينية او تلك.
هذه المسرحية المعادة بنفس اللغة والحبكة والاسلوب والاخراج مع تغيير الكومبارس لأسباب يفرضها الابطال العشرة “رؤساء الكتل البرلمانية والطوائف“.
وعودنا هؤلاء مع كل ازمة او قضية ما تمر على العراق وما اكثرها ان نشاهد الفوضى ونسمع التسقيط والكذب داخل البرلمان ومن ثم تشكل لجان بعد لجان الى ان يأتي حدث مزلزل اخر يجب ما قبله وهكذا دواليكم .
لقدا بدا واضحا تقهقر الشارع العراقي بكل فئاته واستسلم لليأس والقبول وخفتت صيحات الاحتجاج واستطاعت الطبقة السياسية الحاكمة وعلى راسها التيارات الاسلامية التي استطاعت ان تمزق النسيج الاجتماعي العراقي واصبح الحزب والعشيرة هو طوق النجاة للأفراد وليس المواطنة والقانون. اضافة الى خلق ازمات امنية مرعبة واقتصادية طاحنة مثل اختفاء البطاقة التموينية وارتفاع اسعار المواد والخدمات بشكل جنوني لا يتناسب مع اي معيار اقتصادي. ان قائمة الخراب طويلة من رتب الدمج والرواتب المتعددة للشخصيات الحزبية والحمايات والمشاريع الوهمية والتي باتت معروفة حتى عند ابسط مواطن عراقي مغلوب على امره ومبتلى بالأمراض والجوع.
ان اخطر من كل هذه الامور هو دخول داعش على الخط بمباركة امريكية ودولية واحتلالها ثلث العراق بين ليلة وضحاها ولم تكف الطبقة السياسية من الاستغلال والنهب للمال العام ووصل لحد سرقة رواتب المقاتلين وطعامهم وتزويدهم بأسلحة واعتدة فاسدة من المنشأ من اجل الحصول على عمولات خيالية لهم ولأحزابهم التي تمتلك لجان اقتصادية مستقلة والمساس بسيادة الدولة والقانون ودماء المتطوعين بالدفاع عن العراق من ابناءه الغيارى.
وادهى والأمر من هذا ان القضاء خاضع للسياسيين واصحاب النفوذ والمليشيات ولا يستطيع ان يمسك اي من هؤلاء السراق المحميين ورميهم خلف قضبان السجن، اصبحت مهمة القضاء في العراق هو محاربة اصوات المجتمع المدني ومنع المظاهرات او تهديدها والانشغال بقضايا النشر ومصادرة الحريات التي كفلها الدستور كل هذا يحدث في ظل انتهاء مدة المحكمة الدستورية العليا التي صادرت مجلس القضاء.
في ظل هذا المشهد العبثي والغير معقول وفق كل المفاهيم السياسية والقانونية والانسانية يطالبنا رئيس الوزراء بتأجيل كل المطالبات المحقة والحقوق والحريات من اجل المعركة وعدنا لشعار:
"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" بمباركة فرقاء العملية السياسية التي تريد الاستمرار لأربع سنوات اخرى من اجل النهب والحصول على الرواتب التقاعدية والامتيازات الفلكية.
لقد بدانا نعيش في ظل انماط عنف جديدة وفساد من نوع جديد مع ثعالب السياسة العراقية والشواهد كثيرة وهؤلاء الثعالب اصبحوا خبراء من الطراز الاول في التملص والاختباء في اوكار مختلفة وابتكروا طرق تخفي غير معهودة، والثعلب لا يكتفي بجحر واحد بل يملك اكثر من وكرا سريا فاذا ما كشف واحدا تمكن من اللجوء الى الاخر بدءا من الاستكانة الى الحزب والعشيرة والمرجعيات الدينية ودول الجوار والارتماء في احضان المخابرات العالمية.
هناك مجتمعات تمر بظروف اقسى وانكى مما يمر به المجتمع العراقي الا انها لم تستكين للخنوع وتناضل من اجل ابقاء مطالبها حاضرة وترفع اصواتها عاليا للمناداة بالحقوق والعدالة والتخلص من عبودية الدولة الابوية التي تصادر حرية الفرد. لكن وبكل اسف ان العراقيين بدأوا بالتراجع والتقهقر والتشظي الذي فرضته الطبقة السياسية بعد 2003م مستغلة الشيفونية العرقية والدينية لتمزيق المجتمع وصرفه عن المطالبة بالتغيير الذي يضمن حقوقه الانسانية والوطنية والعدالة الاجتماعية.
ان ثعالب السياسة العراقية لازالوا ينعمون في قصور النظام السابق في المنطقة الخضراء هم وعوائلهم ويفرضون التقشف والضرائب على الشعب والطبقات الفقيرة دون ان يرمش لهم جفن.
ختاما ان الشعب الذي يعيش ظروف ما يعيشه الشعب العراقي ولا يعلن عصيانا مدنيا ولا يتمرد بكل تأكيد لم تبقى لديه اي انسانية وهذا امر بمنتهى الخطورة عندها سيتحول الانسان الى مسخ متوحش او خاضع.
احذروا ثعالب العملية السياسية في العراق ولكم من افعالهم عبرة منذ 12عام يا اولي الالباب وانقذوا ما بقي من انسانية وكرامة للعراقي الاعزل والغريب في وطنه بسبب الفساد والارهاب والمافيات الحزبية.
اننا نخجل من وطن يعيش قادته وحاخاماته في القصور وينبش اطفاله وعجائزه اكوام القمامة لسد رمق جوعهم الكافر.
كما اننا نخجل من الكلام والشعارات اننا في الرمق الاخير من فقدان انسانيتنا واثبتت الايام فعلا نحن “شعب الشعليه” وعلينا ان نثور على انفسنا اولا لتحقيق التغيير المرتجى واعادة الروح العراقية الحق والاستفادة من تجارب الشعوب والانسانية قبل فوات الاوان.