اليوم ما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن وافغانستان واوكرانيا هي حروب هجينة تشكيلاتها من الجيوش النظامية والمليشيات والمنظمات والطوائف والقبائل، حروب لصالح قوى استكبارية متصارعة وقودها شعوب تلك البلدان وثرواتها البشرية والطبيعية وارثها الحضاري والتاريخي. ان أمريكا التي ارادت الهيمنة المطلقة على العالم خلال القرن الحادي والعشرين دعمت وبذلت كل ماتملك من قوى وتكنلوجيا متطورة وخبرات عسكرية ومالية لهذه الاستراتيجية الا انها لم تتوقع عودة روسيا بعناد وقوة بقيادة فلاديمير بوتين لتكون اللاعب والرقم الاصعب في المعادلة والاصعب في الصراع الحالي. ورغم محاصرة واشغال روسيا من قبل حلفاء امريكا الاوربيين "الناتو" وبطرق ملتوية شتى منها المقاطعة الاقتصادية لكن على مايبدو لم تنجح وانقلب السحر على الساحر خصوصا بعد التطورات التي شهدتها تركيا الاوردغانية الحالمة هي الاخرى بالعودة للخلافة العثمانية ولو على مساحة من دول الجوار القريب وازمة هبوط اسعار النفط وتاثيراتها على الدول الصناعية الكبرى قبل المنتجين.
ان لهذه الهجمة الامريكية المتوالية منذ حرب افغانستان الاولى ضد الاتحاد السوفيتي استراتيجية أمريكية من نار ودم موضوعة تحت مسميات وعناوين شتى، ساهم فيها ومولها حلفاء امريكا من الانظمة الاستبدادية والثيوقراطية انتهى بعضها بانتهاء صلاحيته وذهب لمزبلة التاريخ. لقد تجلت الحروب الهجينة بشكل واضح خلال حكم باراك اوباما الذي سمحت ادارته بظهور داعش في العراق وسوريا علما ان العراق يملك اتفاقية دفاع أستراتيجية مع امريكا ولدى العراق خبراء ومستشارين في كل الوزارات العراقية يتقاضون اعلى الامتيازات والمرتبات، لكن الاستراتيجية الامريكية اقتضت بوجود داعش لخوض حروب بالوكالة "حروب هجينة " تقابلها قوة مقاومة من مليشيات وقوات شبه عسكرية للدفاع عن ارضها وكيانها لمنع رسم خرائط جديد للعالم وتجزئة المجزء بدء من المنطقة الاغنى والاهم لمصادر الطاقة والمواصلات “المشرق العربي” وبالتالي تتدحرج هذه الفوضى والتشظي وصولا لبحر الصين ومحاصرة التنين الصيني.
في ظل هذه الصراعات المفتوحة والهجينة ينتعش الارهاب والحركات الاجرامية ونتيجة التكنلوجيا الرقمية استطاعت المنظمات المتوحشة ان تتواصل وتتخطى الحدود شرقا وغربا. بالمقابل هناك من يريد ويجاهد للبقاء بسلام على ارضه فلابد له من الحصول على دعم وتكنلوجيا وسلاح ردع مقابل.
بات الاصطفاف وسيلة وجودية للبقاء والنجاة من الموت والقتل وتقسيم المجتمعات طائفيا وعرقيا. لاغرابة من وجود منظمات وقوات ومليشيات مقاومة تعتمد على المعسكر الروسي الايراني من اجل درء الارهاب الامريكي الداعشي وبشهادة اصحاب قرار ومفكرين امريكيين ان داعش صناعة امريكية مثلها مثل القاعدة وهذا ما اكده المفكر والفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي أن" تنظيم داعش الإرهابي والتنظيمات الراديكالية هي من صنع الولايات المتحدة نفسها".
وسبق وان اشرنا لكتاب المرشحة الرئاسية هيلاري كلنتون "التاريخ الحي" وزيرة الخارجية السابقة وسيدة البيت الابيض لثمان سنوات اقرت "نحن من صنع داعش"، اضافة الى عشرات الاقرارات من مسؤولين ورجال مخابرات سابقين ومثقفين في القارات السبعة يوكدون ان امريكا وحلفاءها من اوجد داعش والقاعدة وهذا لم يعد بالامر السري او بالجديد وهذا ماشرحه بيار كونسيا في كتابه “صنع العدو او كيف تقتل بضمير مرتاح“ . لقد وجدت الاستخبارات الغربية ان جماعات الاسلام السياسي التي لاتعترف بالحدود والدولة الوطنية وتعتاش على التاجيج الطائفي خير جيوش تقاتل بالوكالة وهذا ما اكدته وثائق وكيليكس الذي نشرها الناشط جوليان اسانج اللاجىء في سفارة الاكوادور في بريطانيا الان وكذلك المنشق الامريكي ادوارد سنودن الموظف التقني والعميل السابق لدى المخابرات المركزية الامريكية اللاجىء في روسيا.
واصبحت مقولة: ”لقد خلقناهم او لقد أوجدناهم.. حقيقة دامغة بالادلة القطعية والقرائن والوثائق الصحيحة“.
ان امريكا والناتو يملكون هدف وحيد هو اقتصاد السوق والسيطرة على شعوب ومقدرات العالم وتسويق ديمقراطيتهم الخاصة التي ترفضها شعوب وانظمة معظم الدول في العالم. وعليه اوجدوا ادوات مرعبة لاخضاع الدول والجماعات المقاومة لسياساتهم بابتكار المعالجة بالصدمة التي تعتمد الحروب بكل انواعها والكوارث وهذا ماشرحته الكاتبة نعومي كوين باستفاضة وبالتفصيل والوثائق في كتابها "عقيدة الصدمة" انه موسوعة ضخمة تشرح هذه السياسات الاجرامية والكارثية على البشرية وقد اختير افضل مؤلف في الاقتصاد والسياسة على مستوى العالم.
ان شعوب القوى الكبرى المتصارعة لاتسمح ولايمكن ان تقبل برؤية مئات الجثث والضحايا على اراضيها وهذا معلوم وخط احمر عند حكامها لهذا اوجدوا الحروب بادوات ومقاتلين بالوكالة بعيدا عن شعوبهم واراضيهم وبالصدمة الوحشية التي تنفذها المنظمات والمليشيات الاجرامية المتوحشة ومن الطبيعي ان تجد لها مكافىء بالمقاومة مهما كانت موازين القوى ومن هنا نشأت الحروب الهجينة في منطقتنا بوحشية وعنف وضراوة غير مسبوقة .
ان شعوب المنطقة هي وقودها المستعر وان جهنم هذه الحروب سيطال الجميع لانه مخالف للفطرة الانسانية والوجود الانساني على ارض تحترق رويدا رويدا والاسباب عديدة.
لكن ابشعها هو المنظمات والفصائل المتوحشة التي محت مدن باكملها وهلكت الزرع والضرع وارتكبت جرائم لايتخيلها عقل انسان وهجرت الملاين من البشر .
وهذا الفعل يتطابق تماما بما قامت به امريكا في اليابان وفيتنام وافغانستان والعراق وسوريا اليوم بواسطة جماعات ارهابية مدعومة منها مباشرة او عن طريق حلفاءها في المنطقة.