اختطاف دور الثقافة والمثقف ينبأ بخراب الامة ويحكم عليها بالهامشية والتخلف.
وعلى هامش معرض بيروت للكتاب العربي في دورته الستين كانت فرصة للقاء جمهرة من مبدعين العراق من الداخل وفي المنافي، وقد تناهى الى سمعي مأساة ما يحصل للمثقف العراقي من تهميش ومصادرة حقوق حتى من قبل النقابات والاتحادات المهنية التي ينتمي اليها الفنان او الاديب.
ولازلت متحيرا من بعض المثقفين الذين ينتظرون من الحكومة منحة مالية بائسة لا تشبع ولا تسمن ولا تلامس ما يعانيه المبدع العراقي عند العجز او المرض او في حالة الاعتقال التعسفي دون المطالبة بتفعيل التشريعات والقوانين التي تضمن له حقوقه اسوة بكل شرائح المجتمع الاخرى.
لقد استمرا البعض الذل والخنوع وتحول من التطبيل للنظام الديكتاتوري السابق الى مطبل للأحزاب الطائفية والعسكرة وغير جلده مضحيا بتاريخه وعذاباته لعقود ويقبل ان يتقاضى راتب تقاعدي برتبة لواء او عقيد بعد ان التحق في اللعبة الطائفية واحزاب الاسلام السياسي. لا يتشرف اي مبدع الا بمنجزه الابداعي والفكري ومن الامور الاكثر غرابة عند زيارتي للعراق 2014 م كان هناك دعاة ورجال دين وخطباء يحملون رتب عسكرية ويتقاضون رواتب تقاعدية ولم يخدموا يوما واحدا في الجيش او الشرطة.
وفي الآونة الاخيرة نشرت بعض المواقع والصحف ان محضيات واعلاميات مقربات من الاحزاب ذاتها على نفس الشاكلة.
حينما يسكت المثقفون عن هذا الوضع القائم بمصادرة حقوقهم ودورهم ويتحول البعض بوق بيد السلطات الجديدة التي لا تقل استبدادا عن الدكتاتورية، فتموت المعاني وتفقد الثقافة دورها التنوري والجمالي الخير.
المثقف هو من ينشر الفكر الحي بعيدا عن الاحكام الجاهزة والمعلبة، اليوم المشهد عبارة عن نشر غسيل باثر ماضوي عفن حتى بين المتعاطين بالكتابة والفن والصحافة.
ومن الاسباب التي خنقت الثقافة العراقية هو ضرب الطبقة الوسطى الحاضنة الرئيسية للفكر والابداع وهذا ما عملت عليه احزاب السلطة في العراق ما بعد الاحتلال التي اشاعت الخوف بواسطة مليشياتها وتتبجح بعدم وجود سجناء رأي او مثقفين في المعتقلات والسجون، في حين يكفر ويخون كل من يخالفها الرأي باتهامات لها اول ما لها اخر.
مع ذلك لا نلوي عنق التفاؤل وننفي ما يجري من مخاض لولادة “مثقف عضوي فاعل وليس مفعول به يجعل من الكتابة والثقافة سلوك وليس حبر مسكوب على ورق او رصف كتب على الرفوف. ان التباس دور المثقف في العراق وحصره على من حصل على شهادة دراسية او من يمارس الكتابة هو خطأ شائع.
خلال عقود الخمسينات وصولا للسبعينات من القرن المنصرم تشكلت نهضة ثقافية مجتمعية مبشرة من خلال مثقف مولود من رحم المجتمع لعب دور كبير في التغيير واسس لبناء مشروع منطلق من الحداثة متخطيا النزعات الكليانية مساهما برسم هوية الامة العراقية محاولا تخليص الفرد من الهيمنة الابوية للسلطة والدين وانماء شخصيته الانسانية.
فأنتجت تلك الفترة الخصبة اعلام ورموز في الثقافة بكل ضروبها الابداعية عبروا بصدق من خلال اعمالهم عن المجتمع وفضاءاته الاشكالية المعرفية والسياسية والاجتماعية والدينية وتركت اثار فكرية وجمالية وسلوكية بالغة الاثر ليومنا هذا.
لقد وعت السلطات الانقلابية فيما بعد خطر ودور الثقافة عليها فبدات استمالة البعض وقمع من يمانعها مما تسبب بتدهور الذوق والسلوك المجتمعي وتخريب الفطرة الانسانية، وما زاد الطين بله هو الحروب والاحتلال للعراق واشغال المجتمع برغيف الخبز والهم اليومي ولم تعد الثقافة من اولويات المجتمع.
ختاما نذكر بعبارة المسيح “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لعقول خبزها ومن دونه ستموت” وفي مقام اخر يقول انطونيو غرامشي “ ليس هناك استيلاء على السلطة السياسية دون استيلاء على الثقافة”.