من الجدليات التي تشغل كتاب ونقاد القصة القصيرة جدا هو البحث عن موطن وريادة ونشأة القصة القصيرة جدا، ولم يتفق على مقاربة تاريخية بسبب حداثة هذا الجنس الادبي بالنسبة لبقية الاجناس الادبية وسائر السرديات الشعرية. بضع عقود من الزمن فترة قصيرة لاتذكر في ضوء التجربة الانسانية والزمن الكوني من الوجود البشري وابداعاته المختلفة. وجدلية الريادة اوالنشأة تحتاج الى مقاربات بحثية مستمرة لتاخذ البدايات مداها وثبوتيتها من خلال اخضاع النصوص للزمكانية التاريخية بعيدا عن تابط رأيا او مقاربة بعينها والتمسك بها دون غيرها. ويجب محاكاتها في مختبر النقد والدراسة البحثية الاكاديمية للنصوص كقيمة معمارية باقية .
والجدل حول القصة القصيرة جدا ونشأتها مثل كل الجدليات الاخرى كريادة الشعر الحر " التفعيلة" وغيرها من الاجناس الادبية والمذاهب الدرامية والفنية الاخرى. لذا من المفيد نقل كل المقاربات لتبدو المسالة اكثر وضوحا وتبقى القضية مختلف فيها ومدعاة للالتباس الذي لايفككه سوى الناحية التاريخية للنصوص التي تمثل التجربة الاولى لظهور هذا الجنس الادبي الواسع الانتشار في الصحافة اليومية والمواقع الالكترونية .
ان مناهج البحث الحديث قادرة على الاستدلال بالراي او المقاربة الصواب والامر كله متروك للقارىء الحصيف ليتبين الامر من خلال المقاربات الشائعة بين الكتاب والمهتمين بـالقصة القصيرة جدا في الوطن العربي على وجه الخصوص وما تبقى من اراء خارج النص وتاريخه لاتمثل سوى قراءات معلقة او اراء لا يعتد بها. ان الحداثة الحقت تخلخلا بين الحدود الفاصلة بين الاجناس وتداخلها مما ادى الى ظهور اجناس غير معروفة سابقا كالنص المفتوح على سبيل المثال الذي تبناه” أمبرتو إيكو”وهو نص يقع ضمن الحكي المكثف والحفر داخل عتمة اللغة ويتخذ من السرد فضاء مغايرا ، بينما اعتبره “رولان بارت “ رغوة وثغثغة لغوية، لهذا الموضوع مقام آخر اردنا فقط للتوضيح وجاء نتيجة تاثير الحداثة والعولمة على السرديات بالبحث عن اشكال جديدة، فلابد من توخي الدقة للحديث وتناول اي جنس ادبي او فن حديث التكوين والولادة والنشأة ولا نلزم انفسنا بمقاربة بعينها لطالما باب البحث يبقى مفتوحا والجدل مستمر مع تراكم هائل للنصوص والمجاميع القصصة المطبوعة تحت جنس القصة القصيرة جدا. وان ظهور اية جنس ادبي لايقطع صلته بالاجناس الادبية التي سبقته لكن يقوم بتحطيم الحدود او التمرد على الاجناس التي سبقته في محاولة للتفرد بذاته. "نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، إلى معايير يأخذها الكتاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير كذلك منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغنطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي.
وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً."*
*الموسوعة العربية – الاجناس الادبية " نظرية" – عبد النبي صطيف