كثير من القراء والمتابعين للقصة القصيرة جدا”ومحرري بعض الصفحات الادبية على المواقع الالكترونية يعتمدون مبدا الطول والقصر كمبدا لتجنيس القصة القصيرة جدا دون الانتباه الى عناصرالقصة القصيرة جدا الرئيسية وخصائصها "الحبكة، البنية، التناص، الايحاء الايجاز، المفارقة، والشعرية والانسنة والطابع الديداكتيكي" ومن هنا شاع عند البعض انها قصص بحجم راحة اليد ونسبوا ريادتها الى القاص والروائي“ يوساناري كاواباتا “الحائز على جائزة نوبل عام 1960م وهو أول اديب ياباني حاصل على نوبل. كتب كاواباتا أكثر من مئة وأربعين قصة قصيرة، اطلق عليها "قصص كف اليد" لقصرها، إذ تراوح طول القصص بين الصفحة او أكثر، جسّد فيها عمق العاطفة الإنسانية وسبر أغوار النفس البشرية. وكانت القصة القصيرة جداً الجنس الأدبي المفضل لديه، إذ وجد في المساحة المحدودة فيها ميزة مكنته من استخدام الغموض الذي برع فيه، ومن بعد ترك العنان لخيال القارئ.
وقد اقترب في أسلوبه هذا من الشعر، إذ تشبه كل قصة قصيدة شعرية في عمقها وكثافة رموزها وتركيزها. كان يكتب القصص الواحدة تلو الأخرى وكأن الواحدة تلهم الأخرى كما القصائد، فتأتي باندفاعات إبداعية مفاجئة وغزيرة. وما يميز قصصه القصيرة ليس فقط كثرة عددها، وإنما تنوع موضوعاتها وأسلوبها، فبعضها يمتاز بوحدة النص وتماسكه، وبعضها الآخر يأتي بصيغة مفككة كالحلم بأسلوب انطباعي. وتشكل هذه القصص بمجموعها مرآة كبيرة للحياة الإنسانية، وقد جمعت في مجلدات كثيرة، وترجمت إلى لغات عدة فحققت انتشاراً واسعاً بين القراء في كل انحاء العالم.
وكانت آخر هذه القصص القصيرة، قصة اختزلها عن روايته بلد الثلج" بعنوان لقطات من بلد الثلج، التي شكلت تحولاً في أسلوب التأليف الذي كان يتبعه، إذ كان يستوحي رواياته الطويلة من فكرة بسيطة ويسهب ويتوسع فيها، بينما حدث العكس في قصصه اعتمدت الايجاز والتصوير الشاعري المكثف لاقصى حد.
ظهرت” قصص بحجم راحة اليد” لـ “كاواباتا” في عصر الواقعية اليابانية التي كانت من التابو الذي لايجوز خرقه لكن روح “كاواباتا” المتمردة والمتاملة للروح اليابانية العميقة استدعته لكتابة مثل هذه القصص المترعة بالغموض والموت والتامل ومن هنا كانت عنايته بالجمال المطلق. والجمال وحده يعتبر رادعا على فضاعة الموت فتطلب من الكاتب تفجير اللغة بشعرية واكتناز وتصوير الطبيعة والشخوص بسرد قصصي ورسم صور وانغام بواسطة الكلمات فصور الطبيعة الزاخرة بالمشاعر المفعمة بالرمزية والغموض. تجعل الموت الذي يكتنف الحياة اليابانية المقيدة بالعادات والموروث الصارم رغم التكنلوجيا والعلم والحداثة.
لكن من خلال اخضاع تلك النصوص السردية التي كتبها بحس تصويري فائق الشاعرية نجد انها لاتخرج عن عباءة القصة القصيرة “الموباسانية” ان صح التعبير في الزمان والمكان والشخوص والتدرج فيها بداية ووسط ونهاية، هي قصص قصيرة صورت الحياة الانسانية بدقة عالية بتكثيف واختزال غير مسبوق ولغة شاعرية عالية.
ولم يذكر البتة انها قصص قصيرة جدا وهي قصص قصيرة او حكايا. كان تكريمه بجائزة نوبل 1960 وحيثيات قرار اللجنة جاء تقديرا لمكانته من ناصية فن القص الذي يعبر من خلاله وبحساسية بالغة عن جوهر العصر اليابان، ولكن انتشارها في المواقع الالكترونية على انها “ق.ق.ج” هو خطأ فادح وهذه من مثالب الانترنيت الذي خلط الحابل بالنابل في احيان كثيرة.
يمتنع ويعزف بعض كتاب القصة القصيرة جدا على عدم وضع نتاجاتهم على صفحات الانترنيت، الا على مواقع تحمي لهم حقوقهم الابداعية او على مطبوع ورقي بعيدا عن تلطيخها بوحل المتطفلين وتشويهها.
ومن هنا يجب ان نكون دقيقين في تجنيس اي نص قصصي وفق خصائصه ومكوناته بغض النظر عن طول وقصر النص والاعتماد على خصائص البناء الفني والتقنيات الاسلوبية. ان من المعضلات التي تواجه القصة القصيرة جدا هو انتشارها الواسع في الصحافة ومواقع الانترنيت وسهولة النشر فيها ومثلما ظهر شعراء الفيس بوك هناك قصاصو الفيس بوك والسوشيال ميديا وهذه ظاهرة تحمل ايجابيات وسلبيات، ولكن تبقى الاعمال المكتوبة بوعي ودراية في التجريب. وتذهب ما دونها ادراج النسيان ومن هنا نجد بين هذا الكم المهول اسماء معدود لمعت وتذكر بالشهادات والدراسات الادبية المختصة بجنس القصة القصيرة جدا.