في الدول الاستبدادية والدكتاتورية سواء حكمت من شخص أو حزب أوعائلة مالكة أومجموعةكونيالية مارقة تضرب الإنسانية في الصميم من خلال مصادرة الحريات والعدالة والمساواة وفرض قدسيتها كما لو إنَّهم ملوك من العصور الوسطى حينما كان الحاكم مفوض من الآلهة لهذا انتبه علماء السياسة وفقهاء الدستور على تداول السلطة وأفضل الانظمة الديمقراطية هي التي لاتسمح للرئيس أو رئيس الوزراء بأكثر من دورتين انتخابيتين درءا للمفاسد والتوريث والهيمنة السلطوية وارهاصاتها القاتلةبشكالها المختلفة بوسائل مواربةأو علنية.
بعد سقوط نظام القائد الأوحد "صدام حسين" استولت الأحزاب العراقية على الحكم والسلطة وما عملية الانتخابات الا تخريجة صورية بائسة للأشخاص والأحزاب النافذةنفسها ُتهيمن على المناصب الوزارية بالتناوب كملك عضوض، مرة بهذه الوزارة ومرة بتلك وأضعف الايمان يصبحوا مستشارين في رئاسة الوزراء او لرئيس الجمهورية الذي يملك 70 مستشارا بدرجة وزير بكامل الامتيازات والحمياتواضعف الايمان سفراء في الدول التي يرغبون بها لعمل صفقات لأحزابهم وليس للدولة وهكذا أصبحت الدولة عبارة عن مافيات للمقاولات وشركات مساهمة والصفقات المشبوهة وغسيل الأموال. وكما يقول الروائي العظيم ارنست همنغواي؛ أتعس أنواع السلطة هي التي تفرض عليك أن تذكرها صباح مساء.
ونتيجة للتدهور والخطل الذي يسود الحياة العراقية بات المواطن لايملك سوى أنْ يرمي جام ماسيه وغضبه منذ أن يفتح عينيه في الصباح على هذه السلطات الحاكمة والناهبة حتى لدواءه وقوته اليومي والتي تتحكم بكل شيء بالماء والكهرباء والهواء.
وللأسف هذا ما يحدث بشكل فاضح وصارخ في العراق فالسلطات بكل انواعها باتت تفرض على الناس ليل نهار على مدار الساعة في أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة وصورهم تملا الشوارع وأماكن العبادة والمرافق العامة ولم نرَ حتى الملصقات الاعلانية فاستولوا على كل شيء ليضعوا صورهم وشعاراتهم، حالهم حال صدام حسين إبان حكمه لما يقارب أربعة عقود دمَّرت المجتمع وفتكت في عقده الاجتماعي لا ومسخت قيمه وسحقت الطبقة الوسطى التي كانت تقود التنوير في البلاد وهمشت الفلاحين والعمال وجعلتهم يستجدون عطاياه وعسكرة الصناعة والشعب بحروب تتناسل الى ما لانهاية.
ومن الأمور المستغربة إنَّ من يدَّعون قيادة العراق اليوم يتحدثون بمناسبة وغير مناسبة مثلهم مثل الديكتاتور الذي أورثتهم أمريكا حكمه من الصباح حتى المساء عن امور أبعد ماتكون عن هموم المواطن ومطالبه البسيطة ويختلقون الأزمات السياسية داخليا ويلعبون أدوار الخارجية العراقية بروتكوليا وفي التصريحات والاستراتيجيات وهذه مسؤولية الدبلوماسية في كل دول العالم الا في لعراق كل البرلمانيين 325 نائب ورؤساء الاحزاب والكتل السياسية يتحدثون في القضاء والسياسة الخارجية والخدمات والخطط العسكرية بالحرب ضد الارهاب، إنَّها مزايدات احزاب بكل تاكيدلاتلاقي احترام من الآخر سواء كان صديق أو عدو لأنَّها فوضوية وغير مسؤولة وغير مختصة وهذا دليل على عدم فهم في الصلاحيات والقانون وكل الوزارات والهيئات والمؤسسات باتت مستباحة للأحزاب التي تقاسمتها ونصبت على إدارتها منتمين لتلك الأحزاب بغض النظر عن كفاءتهم وانجازاتهم واختصاصاتهم جاءوا بالمحاصصة وتقاسم الدولة "الكعكة“ على حد القول الشهير للنائب حنان فتلاوي وهي تعد واحدة من اهم خبراء اتفاقات الغرف المظلمة منذ تولي نوري المالكي زمام رئاسة الوزراء. والأمر الآخر هو امتلاك تلك الاحزاب لفضائيات واذاعات وصحف ومجلات مموله وتستطيع الاستمرار رغم انها تروج لايدلوجيات وافكار هدامة للوحدة الوطنية والمواطنة وملغومة بالطائفية والحزبية والعرقية.
ولم تدفع هذه الوسائط الاعلامية ضرائب للدولة ولا تخضع للمسائلة والمهنية فباتت مصدر ازعاج وقتل للثقافة العراقية التي انتجت على مر قرون الكثير من الانجازات التي شعت أنوارا على جميع انحاء المعمورة وبقيت حاضرة ليومنا هذا رغم كل الكوارث الماحقة. وقد استقطبت هذه الوسائط الاعلامية انصاف المثقفين والمزورين وهنا لابد أنْ نذكر بالمقولة التي تقول "اذا ماتت السياسة ماتت الدولة واذا ماتت الثقافة مات الشعب" اي شعب لايحترم ويصون ثقافته ويطورها سينزل إلى الحضيض، إنَّ الأمر المحزن في العراق مات الاثنان معا. ما يصلنا من ابداع عراقي اليوم هو ابداع فردي تحمل اصحابه كل الرزايا والعوز والاجهاد من اجل تقديم اعمالهم وخوض معاركهم عزلاء الا من ايمانهم ان الثقافة والفن هي التي تعلو قيم الحب والتسامح، الجمال والخير وتؤسس للوعي، الثقافة وحدها يمكن ان تحارب الواقع المأساوي والظالم بسبب سلطاته المتعددة والمتوحشة في الاستيلاء والاقصاء والتي أصبحنا بسببها تعساء وهي مفروضة علينا بالقوة صباح مساء وأصبح لدينا ثقافة شوهاء عبر عقود خلفت أجيال مشوهة فكريا وذوقيا ولا تعرف للكتاب أو السينما أو المسرح أي طريق كيف تربى الذائقة وتشذب الأخلاق بدون هذه المدارس الموازية للمدرسة التعليمية التي فقدت مقوماتها في تهيئة النشا منذ الصغر وتستثمر الانسان ابداعيا وعلميا ونزع بدائيته الهمجية التي تستغلها الأحزاب التي تبني فكرها على النزعات النازية واستغلال الدين أبشع استغلال في تجهيل الناس كوسيلة للوصول للسلطة.