تعودنا على العبث وعرض العضلات الكاذب والتخبط لسياسة الرئيس التركي "رجب طيب اوردغان" والتحايل الذي لم يوفر احد من الخصوم والاصدقاء ولايحتمل حتى وسائل الاعلام والمعارضة في الداخل فزج بالصحفيين والمعارضين بالسجون واغلق كل نوافذ الحرية في التعبير عن الرأي وصفى خصومه بطرق شتى، وهو يتكأ على حلف الناتو الذي وظفه بلطجي في منطقة الشرق الادنى ويذكرنا بدور شاه ايران ابان الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، واوكل له مهام باتت جلية ضمن مؤامرة تقسيم المنطقة على اسس عرقية وطائفية تخضع لحلفاء الناتو بواسطة وكلاءه المعروفين و"اوردغان" احدهم بامتياز. وتعودنا على العبث والولدنه والتخبط في المشهد العراقي منذ سقوط بغداد 2003م والتعامي في مواقف واحداث جلل متكررة كثيرة من قبل اطراف عديدة في العملية السياسية.
ان ماحدث من خرق وتدخل عسكري ودبلوماسي دون مراعاة ادنى حدود اللياقة والاعراف الدبلوماسية بين الدول ولو بحدها الشكلي ليس بجديد على تركيا في تعاملها مع العراق. ان ما قام به "احمد داود اوغلو" منذ ان كان يقود وزارة الخارجية التركية وصولا الى رئاسة الوزراء فزياراته المتكررة الى الاقليم وكركوك من دون علم او إذن من حكومات بغداد وبالتنسيق مع رئيس الاقليم "مسعود برزاني" المنتهية ولايته والذي بدأ يستحوذ على كل ما تقع عليه يده من منافذ حدودية وآبار بترول ومناطق متنازع عليها وبصمت وتواطىء بعض الشركاء في بغداد ومباركة امريكية – اسرائيلية وبرضى اطراف عربية شريكة في مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي لانعرف اين ستنتهي مآلاته ومتى ستتوقف حروبه الدموية والوحشية التي اكلت الاخضر واليابس.
ان المصيبة العظمى وصل بنا الحال الى ان نخادع انفسنا بان السيد "مسعود برزاني" حليف استراتيجي للشعب العراقي. ويجهل علينا البعض بان السيد "مسعود برزاني" شريك يحترم الدستور والاتفاقيات وهو يصدر نفط الشمال مخلوطا بنفط داعش ودم الشعوب الى اسرائيل التي لاتخفي عداءها للكل دون ان يدفع اي مستحقات للمركز "بغداد" التي تعد عاصمة العراق الفيدرالي كما هو مثبت في الدستور وان النفط والغاز هو ملك الشعب العراقي من الفاو الى زاخو حسب المادة 111-112 حسب الدستور العراقي الذي ياخذ الجميع به ويتغنى به في تقاسم الوزارات ومؤوسسات الدولة وريعها النفطي مصدر رزق الشعب العراقي الوحيد بعد ان دمرت الصناعة والزراعة والسياحة. لقد تعودنا من بعض الاحزاب والقوى السياسية الصمت ازاء خروقات دول الجوار ونهب الاقليم المستمر للموارد ويضعوا رؤوسهم في الحفر لتفقد بيضات استثماراتهم ومنافع احزابهم من تلك الاطراف مثل النعام متبجحين بجماهيرهم وطول قاماتهم وسطها دون اي اعتبار للوطن ولوحدة العراق وتنوعه الجميل. وبكل تاكيد انهم قصيرون النظر مثل النعام ايضا وسيكون جنيهم حنظل اذا ما تقسم العراق لاسامح الله. علما ان مخططات التقسيم والخرائط باتت مكشوفة علنا من اجل تقاسم خطوط امدادت الطاقة ومناطق النفوذ على اساس عرقي وطائفي والهيمنة على الممرات الاستراتيجية لمنطقة تعتبر قلب العالم.
ان اكاذيب السلطان اوردغان باتت مفضوحة بعد ان أسقط الطائرة الروسية مع سبق الاصرار والترصد. وتصريحات ادارته المتضاربة وتراجعه المستمر ولجوءه لحلفاء وشركاء معه في تغذية وتمويل حرب داعش اكثر فضائحية ولأول مرة يهاجم "اوردغان" من قبل مراكز القرار الاوربية بالاسم وبالعلن واتهامه بفتح الحدود للارهابين وتصدير الثروات والاثار من تلك المجاميع الارهابية.
لقد فضح الاعلام كل ماتقوم به الاطراف الداعمة للارهاب وعلى راسهم اوردغان وادارته التي اضرت بمصالح الشعب التركي على المدى المنظور والبعيد ليس اقتصاديا فقط بل اعلاميا وسياسيا وفتح السلطان اوردغان الباب على مصراعيه بعد التصادم مع روسيا التي منحته اوراق قوة في وجه اوربا التي ترفض انضمام تركيا للاتحاد الاوربي منذ ستين عام لكن احلامه المريضة لم تقف عند حدود باعادة السلطنة العثمانية التي سببت كوارث تاريخية نعاني منها على مدى قرنيين من الزمن وكانت من اسباب تخلف الدول العربية والتاريخ يعيد نفسه اليوم.
فتحت عملية اسقاط الطائرة حرب باردة جديدة من خلال استخدام الاعلام لخدمة السياسة بقوة والترويج لقرارات ومواقف الاطراف المتصارعة وقراءة بين السطور تشي ان الغرب لم يك مهتما في دفع ثمن لتك الحروب وضحايا من اجل ما يجري في المنطقة لانه تعلم الدرس جيدا في العراق وافغانستان علما ان ما جرى ويجري هو بسبب سياسات امريكا والغرب واستخدامه المجموعات الارهابية في الحروب بالوكالة في مناطق مختلفة من العالم.
وازاء كل هذه المتغيرات الدراماتيكية والمتسارعة يزداد العجز العربي عجزا ومهانة وما حدث من تدخل قوة تركية كبيرة قرب مدينة الموصل وبيان الجامعة العربية على لسان امين عامها "نبيل العربي" فعلا كان معبرا عن عجز ومهانة غير مسبوقة حتى في الادانات والاستنكارات الانشائية التي تعودنا عليها من الجامعة العربية {ان الجامعة العربية ليس لديها اي شيء تفعله في هذا الامر .. كل ما نستطيع ان تقوم به هو اصدار بيان إدانة وليس لدى الجامعة العربية قدرة على ايقاف هذا التدخل على ارض الواقع} هل يوجد استخفاف اكثر من هذا لعضو مؤسس للجامعة العربية "العراق" بهذا الشكل.
ان هذا البيان بحاجة الى رد عراقي موازي للتدخل التركي الغاشم بصرامة ويذكر الجامعة العربية بواجباتها ويذكر اعضائها حينما التئم شملهم بسرعة البرق لتأييد ضرب الناتو لليبيا وبنفس السرعة حينما شكلوا تحالفهم العربي المزعوم لضرب اليمن وحينما اتخذوا قرار بمنح كرسي سوريا العروبة لمعارضة تقيم في اسطنبول التركية في مؤتمر الجامعة العربية بالدوحة عام 2013م ورفعت علم المعارضة السورية بدل علم جمهورية سوريا العربية، بهذا اصبحت الجامعة العربية كيان مضحك ومهزلة لاتحترم حتى ميثاقها بهذه الافعال الغير مسبوقة. ان التجربة علمتنا ان الغرب لم يك يوما من الايام جادا في التعامل بجدية مع العرب لطالما مصالحه سالمة والمتمثلة بالطاقة وخطوط الملاحة التي لم تمس.
وان تجربتنا مع الجامعة العربية منذ تاسيسها عام 1945 لم تحقق الحد الادنى من طموحات وآمال الشعوب العربية في التنمية والعيش الكريم. انها صنيعة بريطانية ومن مخلفات الاستعمار الغربي وكيان فائض عن الحاجة وبقرة حلوب لبعض الدول العربية التي تبيع اصواتها لدول غنية تملك ثروات كونية ولاتساهم في محاربة الفقر حتى بفتح حدودها للعمالة وتفضل العمالة الفلبينية والهندية على شعوب المنطقة العربية التي تشترك معهم باللغة والعادات والثقافة.
ان الجامعة العربية بهذا البيان الكارثي جعلتنا متيقنين ان القيمين عليها غير معنيين في قراءة ما يجري من حولهم طالما انهم منعمون بالامتيازات وغداق دول البترو دولار عليهم وتامين لهم ولعوائلهم وظائف واستثمارات مجزية ازاء مواقفهم المطيعة.
بعد ان هاجم الارهاب وضرب فرنسا وامريكا مؤخرا خاب رجاء الغرب بالتنكر لمسؤولياته والسماح لبعض حلفاءه بنشر الارهاب والتكفير فسمعنا العديد من الاصوات تسمي دول ترعى الارهاب اغلبها من جامعة الدولة العربية وهي متحالفة مع تركيا نهارا جهارا. فماذا بقي للجامعة العربية وما هو دورها؟ّ وما فائدة وجودها اصلا؟!
فقد الجميع توازنه ازاء الاحداث التي تجري اليوم وتعطلت بوصلة البعض واستعصى على البعض الاخر الاصطفاف بعد ان خضعت خارطة الازمات والحروب لمعادلات جديد ومن اهم اسبابها التدخل الروسي الفعال والقوي بسوريا اصبح الجميع يعدل ويعيد استراتيجياته بالتمايزات حول ترتيب الاوليات ومخرجات التنسيق بين كل الاطراف المتصارعة والمتضادة في اللعبة القذرة التي كان لـ "اوردغان" وبعض دول الخليج اليد الطولى بها على ارض الواقع. في ظل كل هذه التطورات والاحداث الغير متوقعة اصبح ظهر اوردغان نصف عاري فما كان منه الا ان يهرب لحديقته الخليفية واطماعه التاريخية بمدينة الموصل التي تحتوي على اكثر من 20 مليار برميل من النفط الخام وبتسهيل من صديقه وحليفه "مسعود برزاني" استغل ادخال قوات تركية بعدد وعدة اكبر علما انه يملك تواجد وعملاء وهذا ليس بخفي على الحكومة العراقية الا ان ضعف بغداد لم يسمح لها برفع ورقة تهديد حقيقي لمصالح انقرة الاقتصادية التي تقدر بعشرة مليارات دولار وقد اسهمت حكومة اوردغان باخذ المليارات من العراق بواسطة شركات وهمية وسكتت حكومة نوري المالكي وسلفه حيدر العبادي على ذلك ان عجز الساسة العراقيين على قراءة المتغيرات وموازين القوى وعدم استثمارها لمصلحة العراق يبدو جليا وعدم خلقهم لبدائل جعل من العراق لقمة سائغة لكل دول العالم في استباحة سيادته او نهب ثرواته وهذا مرده اننا لانملك سياسيين بل سماسرة لقبض العمولات وشركات صيرفة واستيراد وتصدير وهذا سببه غياب القانون الذي سمح لاصحاب السلطة بالجمع بين المال والسلطة فكانت النتجة فساد السلطة وخراب الدولة. كل الاحزاب تعترف بممارستها النشاط التجاري والمالي والعقاري فبات العراق دولة الشركات والمافيات. كان الكاتب محمد حسنين هيكل محقا حينما قال: " ان العراق اليوم اضحى عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص ليست لهم علاقة لا بالسياسة ولا بحكم ولا بادارة الدولة!!. واضاف هيكل في حوار موسع ان العراق كان تركيبة جديدة وان القوى التي انشأته لم تعد تهتم به وتركته لاهله الذين يرغبون بالتماسك الداخلي فيه.
ونحن نقول ان الشرفاء هم وحدهم من ينقذ العراق مما هو فيه من حالة ضياع وتشظٍ وهم كثر ان شاء الله وسوف يتصدرون المشهد السياسي عاجلاً أم آجلا".
هذا الضعف والتشتت والتناحر الطائفي لايسمح ببناء سياسة خارجية قوية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تحكم دول العالم. لم يملك العراق اوراق قوة تجبر الخصوم على عدم التمادي على سيادته لان بعض اطراف العملية السياسية يحملون جنسيات تلك الدول ويعارضون كل شيء يمس تلك الدول وما فعله اخيرا رئيس الوزراء بسحب قانون الجنسية المزدوجة هو قرار خاطىء في ظل الظروف التي يعيشها العراق من نهب وهروب خارج العراق والاحتماء بجنسية بلد اخر همه هو جلب المال لبنوكه وبيع نفاياته بواسطة هؤلاء مزدوجي الجنسية.
ان العراق اضاع فرصة تدخل روسيا في سوريا وانقلاب الطاولة على الجميع وبدات مرحلة توازنات جديدة فكان الاحرى اجبار الولايات المتحدة وحلفائها ان تكف عن خداعها في الايفاء بصفقات الاسلحة التي قبضت اثمانها مضاعفة سلفا وتماطل في تسليمها للجيش العراقي وهو يخوض اشرس معركة مع الارهاب على اراضيه. اضافة الى تدخلها الموهوم لمحاربة داعش. والعراق يملك اقوى حشد شعبي عسكري قابل لان يكون قوة عسكرية ضاربة بالدفاع عن الشعب العراقي والوقوف بوجه الاعداء لكنه يحتاج الى غطاء سياسي بمستوى ما يقدمه من تضحيات جسيمة . وبات الحشد الشعبي يمتلك كل الشرعية والشعب يقف خلفه والمرجعية وهذا لايروق لامريكا بطبيعة الحال وحلفاءها الاقليمين.
وبات الحشد الشعبي الامل الوحيد بالحفاظ على وحدة العراق لانه ليس طائفيا كما يروج بعض ضعفاء النفوس. في ظل كل هذه المعطيات الجديدة من حقنا ان نتساءل لماذا تغطي بعض الاحزاب والقوى السياسية راسها في الرمال ولم تعلن عن مواقفها ازاء كل المخاطر التي تهدد وحدة المجتمع العراقي واراضيه من داخل العراق وخارجه
لقد خدعتنا هذه الاحزاب المساهمة في الحكومة والبرلمان الف مرة ومرة.
ان كل مأساة العراق ما بعد الديكتاتورية هو تواطىء البعض وسكوت البعض الاخر وهذا امر بات واضحا منذ ان ارتضت تلك الاحزاب قسمة "بول بريمر" الى سفطاطين شيعي – سني.
يبدو ان انشغال بعض الاحزاب بجمع المال والتجارة أهم عندهم من الدولة العراقية ولامانع عندهم ان تكون دولة كردستان هي المركز حفاظا على مصالحهم ولايهم ان تكون بغداد ولاية تابعة تتلقى اوامر السيد "مسعود البرزاني" وصفعاته المتكررة... وهذا محل حديث اخر.