الحلاج
الحسين بن منصور الذي اعدمه في بغداد الخليفة العباسي المقتدر عام 922 م بتهمة الزندقة وادعاء النبوة.. تعالوا نهاجر معه في تلك الايام التي ينتقل الناس بها بواسطة الدواب والقوارب البسيطة .فقد ولد الحلاج حسبما ينقل الطبري عن ابنه احمد في مدينة البيضاء ،في اليمن، في موضع يقال له:
“الطور“ هاجر منها الى بلدة تستر ثم البصرة، واستقر في بغداد وتزوج هناك.وبدأت منذ ذلك الحين مشاكله مع المراجع التي كانت تستند الى رعاية الخليفة ودعمه، فهاجر الى مكة ثم عاد الى بغداد ومنها هرب مهاجرا الى تستر ، وقام هناك عاما قبل ان يترك اسرته مهاجرا الى خراسان وغاب هناك خمس سنين مطاردا من سجستانالى كرمان الى فارس واخيرا الى الاهواز لينتقل الى بغداد، وقد سبقته اليها روايات عن زندقته المزعومة، فهجرها الى الهند ثم خراسان ثم ماوراء النهر وتركستان ومنها حاجا الى مكة.. واخيرا الى بغداد ليواجه حتفه، وفي اللحظات التي سبقت انزال السيف به كان الحلاج.
يقول:
طلبت المستقر بكل ارض
فلم أر إلي بارض مستقرا
وذقت من الزمان وذاق مني
وجدت مذاقه حلوا ومرا
عبد الرحمن الداخل
عندما هاجر عبد الرحمن الداخل من دمشق الى الاندلس هارباً من بطش العباسيين، كان قد اخذ معه نخلة، قام بغرسها في قرطبة وبقي يدور حولها ويدور، ويدور ويدور وعذره انها تثير فيه الحنين الى بلاده البعيدة، وانها هويته حيثما عاش.
الرقة
علي ابن الجهم شاعر الجزالة والرقة غضب عليه الخليفة المتوكل ،فنفاه الى خراسان وطلب الى عامله هناك ان يحبسه ثم اطلقه واقام هناك، مهاجرا غير انه لفرط تعلقه بموطنه قصد الشام فحلب، فاقام فيها ولكن لم يطب له المقام، فغادرها الى العراق متواكلا على الرحمة به من قبل الخليفة، فوقع في الطريق بيد لصوص قتلوه قبل ان يحقق امنيته في
الوصول.
فاتن الجابري
في البدء مامن انسان يمتلك اقداره وخياراتنا هي نتائج لظروفنا واحوالنا باعتقادي ليس هناك من يرغب ان يستبدل وطنه ببلد آخر.مهما امتدت اعوام غربتنا، مازلنا مرتبطين بحبلنا السري بارضنا الام بذكرياتنا زقاق طفولتنا ورفاقنا.. جدران المدرسة وصوت الباعة المتجولين في حينا الشعبي في صباحات الوطن.. حين غادرت العراق لم اكن اتصور ان تمتد غربتي طويلا عبدت الطريق من بغداد الى عمان بدموعي، وانا احتضن اطفالي الصغار الذين نخر الحصار عظامهم الطرية هربت بهم من وطن استباحه دكتاتور عتيد اورثه الحروب والموت والفقر،، كان هروبا من اجل هدف اسمى ان ابني مستقبلا لاطفالي اكثر اشراقا من واقع مرير لم افكر بنفسي ولا بما ساحصل عليه كانسانة وكاتبة عشقت الكلمة. لم يكن طريق الاغتراب معبدا بالزهور، رحلة من الالم والتعب والتشظي من بلد الى بلد تقاذفتنا الموانئ والمطارات والطرقات.
زرنا مدنا بعيدة دخلنا المخافر الحدودية ومراكز الشرطة وايواء اللاجئين، لفظتنا مدن واستقبلتنا اخرى في رحلة مجنونة الى المجهول، والبحث عن وطن لم تجده ارواحنا حتى الان، لم نعش تلك الرفاهية التي لطالما سمعنا عنها كابدنا كفاف العيش في البدء كمرفوضين في مركز الايواء “المخيمات“ راضين بما تأتينا من ملابس مستعملة تقينا من برد المانيا القارس وفي نهاية الشهر نستلم كوبونات لاستلام المواد الغذائية ومصروف جيب
للاطفال.. الاعوام تتلاحق وعلينا بذل جهود مكثفة لاثبات الوجود والحصول على الاقامة والعمل لساعات طويلة، كنا مجبرين ومجبرين هنا لقبول اي عمل لاثبات الجدية في الاندماج والحصول على حقوقنا كمواطنين ألمان.
علقنا شهاداتنا على جدار الذكريات، كانت المعضلة الكبرى هي اتقان اللغة الصعبة بشهادة أهلها، التي لم تكن عسيرة على الاطفال اتقنوها بأقل من سنة تفوقوا في دراستهم وحازوا على افضل الدرجات التي أهلتهم لدخول ارقى المدارس والجامعات بحسابات الربح والخسارة. كسب اولادنا مستقبلا زاهرا، أمان وسكينة بعيدا عن الحصار والحروب والتفجيرات، تمتعوا برقي المدن والخدمات، توفرت لهم الرعاية الصحية المناسبة كانوا اكثر ارتباطا بوطنهم الجديد. على حساب وطنهم الاصلي.