في كل مرة احضر لقاء لرئيس الوزراء حيدر العبادي بالاعلاميين احمل معي سؤالين محددين أعدّهما "محرجين" كفاية.. الاول، لماذا لا يستقيل رئيس الوزراء من منصبه بعد ان اصبح واضحاً انه لا يحظى بدعم كامل لخطته الاصلاحية من الهيئة التشريعية المرتهنة لرؤساء الكتل، وقد اعلن اكثر من مرة عن عقبات يضعها معارضون للاصلاحات، وآخرها قوله بالنص في بيانه الموجه الى الرأي العام في مطلع الشهر الجاري "كان طموحنا أن تتضافر جهود جميع السياسيين والكتل والنواب في العمل.. غير ان ذلك لم يتحقق" والسؤال الثاني يتعلق بالفساد، فان العبادي كان، قبل ان يتسلم منصب رئاسة الوزراء، رئيسا للجنة المالية في مجلس النواب التي تاخذ على عاتقها، بحسب المادة (93) من النظام الداخلي للمجلس متابعة السياسة المالية للحكومة، وإداء البنوك، وقضايا الديون والتعويضات، والسؤال هو:
"الم تقع بين يدي رئيس اللجنة، آنذاك، مؤشرات ومعطيات عن مخالفات في اقنية المال والمسؤوليات؟ وماذا كان موقفه منها؟"
وكان العبادي يجيب، في اللقاءات، عن السؤالين، استباقا، وكأنه يعرف ما يدور بخاطري، فافهم ان خيار الاستقالة من رئاسة الحكومة ليس مقفلا اذا ما كانت هناك ضمانات لخيار خارج المحاصصة، ولا يدخل البلد في نفق لا مخرج منه، وقد جاء في مرورٍ له بهذا الخيار مؤخرا القول "أنا مستعد لترك المنصب ولست متمسكاً به ولكن لست متهربا من المسؤولية، واذا ارادوا التغيير بالكامل فمستعد لذلك" كاشفا انه عرض فكرة الاستقالة "في وقت سابق".
كما فهمتُ ان اللجنة المالية واحدة من اربع لجان (غير تنفيذية طبعا) تتكفل مراقبة شؤون المال العام وحمايته، واللجان الثلاث هي لجنة النفط والثروات، واللجنة الاقتصادية والاستثمار، ثم لجنة النزاهة، وان اختصاص اللجنة المالية الرئيسي هو "اقتراح التشريعات" تمييزا عن لجنة النزاهة واللجنتان الاخريان، الاكثر مسؤولية عن المخالفات والفساد، وقال لنا في آخر لقاء ان بعض ملفات الفساد المالي والاداري لأعضاء في حكومته ستأخذ طريقها الى القضاء، كما حدث بالنسبة لوزير التجارة، وسمى البعض من اسماء اولئك، لم يرخص لنا اعلانها.
المشكلة في السؤال الاول ان امثلة التداول السلمي للسلطة (الدستوري) مريرة في تجربة دولة ما بعد الدكتاتورية، امتدادا الى اقليم كردستان، ويستطيع العبادي (وهذه امنية) بما هو معروف عن ايمانه بالاصلاح السياسي ان يضرب المثل المفقود عن التداول السلمي للسلطة، ويرد الاعتبار لواحدة من اهم اركان الحكم الرشيد، واحسب انه سيفعل ذلك في الوقت المناسب، أخذا بالاعتبار بانه لا يجد بين طبقة الساسة والنواب وحراس المحاصصات والمنتفعين منها كثرة من المناصرين لبرنامجه الاصلاحي الطموح، والوقائي، خلاف ما هو موجود بين الجمهور والنخب السياسية الواعية والفئات الشعبية المحرومة، وفي السؤال الثاني، يتخذ الفساد طابع الشعارات السياسية، ويدخل في عداد وسائل تصفيات الحساب ليس فقط بين "الرؤوس الكبيرة الفاسدة" بل بين وكلائهم وسماسرتهم وحاملي اختامهم، المتغلغلين بالدولة وشبكات العمل والاعلام والمال والتجارة والبنوك وهذا ما يجعل من الفساد هوية عضوية لنظام المحاصصة، في تناقض مع النزاهة المنشودة، وهذا ما قاله العبادي بالضبط في احدى لقاءاته، محدودة الحضور، لكن ما لم يقله هو من اين، ومتى، وكيف سيخوض معركة العبور الى دولة النزاهة اللامحاصصية.. حلم العراقيين.