لا شيء يحقق فائدة لأحد من دون ان يتسبب في خسارة لغيره. من تلك المفارقة (المصالح) تنشأ، عادة، الموالاة والمعارضة، بصرف النظر عمن يكون مع الحق، ومن يكون مع الباطل، وبمعنى أدق، فانه لا مناصرة او مخاصمة من دون مصلحة بائنة، حتى ورد في تعريف معتمد للسياسة في ”تلخيص“لمعهد اوكسفورد القول “ان السياسة هي علم دراسة المصالح المتضاربة وانعكاسها“.ولا يظهر تناقض المصالح بوضوح اشد مما هو حين تكون هناك اصلاحات تتجه الى تطبيق العدالة وتعقب المخالفات والفساد وضمان التوزيع العادل للثروة، وفي التاريخ، ليس ثمة اصلاحات استقبلها الجميع بالتصفيق، او قبلها الفاسدون عن طيب خاطر.
كاتب الفاينانشيال تايمز سيمون كير، في متابعاته لقضايا الاصلاح في دول الشرق الاوسط لاحظ ان اكثر الاعتراضات شأنا التي يواجهها الاصلاح تتمثل في تلك الجيوب التي تمسك بمفاتيح مهمة بالدولة، واحسب ان هذه القاعدة، وإن كان المحلل يتابعها في حالة السعودية، تمس الواقع العراقي الراهن، إذ تواجه “حركة“الاصلاح التي اطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي خصومة ضارية من جيوب في الدولة وفي الكتلة السياسية النافذة، وهي تتخذ اشكالا غاية في التعقيد والمماطلة والمناورة، وتزداد ضراوة ووضوحا كلما اتسعت قاعدة المناصرين للاصلاح عموديا، واعني كلما نحت اعمال التأييد والترحيب الى التعبئة والتنظيم بمستوى خطورة المشروع: وقف الاهدار والمخالفات والتعدي على المال العام ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الانتقالية.
ومن زاوية تحليلية، يبدو ان المعركة لا تزال تدور في ما هو موضوعي وعقلي و"شرعي" لخيار الاصلاح الذي يستطيع، كما افترض، ان يكسب المعركة في هذا الميدان، لأنه ليس ثمة قيم موضوعية وعقلانية وشرعية اكثر وجاهة من العدالة في توزيع الثروة ومنع الاستئثار بها من قبل حفنة استغلت اضطراب الاحوال للسطو على منافع بغير حق.