مرثيتي هذه كتبتها لك، عزيزي نضال، قبل ان ترحل الى تلك العتبة المفزعة..
وقبل ان تلوّح لنا في ذلك اليوم بشرشفك الابيض، وتغمض عينيك الى الابد.
بدأتُ بكتابتها منذ ان التقيتك قبل شهور من رحيلك:
قلتَ لي اريد ان ابرئ ذمتي مما علقَ بثوبي من قولْ..
قلتُ لكَ: ليس وقتَ هذا الكلام، صمتِّ، ثم همست لي كمن ينعى عمره العزيز: لا يا صديقي، انه الوقت المناسب، وإنّ الوقتَ لغادرٌ.. آنذاك ايقنتُ انك استسلمت لأحكام النهاية، وانك تعد نفسك لتكون خفيفا إلّا من روحك المستقرة وملاءتك البيضاء، وانني يلزم ان ارثيك، واختيار ما يليق بك من قطع غيار الأشياء الكثيرة، النبيلة، التي كانت بيننا، مع بتر المفردات كثيرة الاستعمال في احوال الرثاء.
يا عزيزي
في السِـيَر المكتوبة ثمة الكثير من الاشارات الى محطات رحلتك القصيرة، مزدحمةً بالمواقف والاستعدادات والعناد وجماليات الشجاعة والحب والصبر والاخفاقات والعمل الصحفي المثابر مما نقرأه في الروايات المكتوبة التي لا تُصدق عن ابطال يجمعون كل هذه المفارقات، والصبوات، ويعكفون طول عمرهم على ترجمة عبارة التضحية الى تعريف دارج..
آه نضال..
كثيرا ما يسألنا الاحفاد ونحن نروي لهم حكاية رحلتنا العجيبة: لماذا ضحيتم؟
ومن أجل من؟
ولا يكفيهم او يقنعهم قولنا انها غريزة الدفاع عن الحرية، شاء حظنا ان تندلع فينا قبل غيرنا..
وباختصار، عزيزي، فاننا فرط ما طـُردنا من المسرح والارصفة استيقظ فينا مؤذن يبشر بالقيامة، والتصقنا بصوته المدوي حتى اكتشفنا اننا نستمع الى اصواتنا نفسها على براءتها، واظن، بل اعترف، اننا.
أنت وانا.. كثيرا ما كنا نناقش هذه الاصداء في عدن إذ التقينا أول مرة، ثم في دمشق، حين كنا نلملم جروح هزيمتنا، ثم في لندن التي اعطتنا تلك الاستراحة الضاجة بالحنين والاستذكار، وكنا نتفق دائماعلى ان الحياة لا توهب لكي تكون مادة للمناقشة، بل توهب لكي تعاش.
اخي نضال
لا أتحمل تكرار مناداتك باسمك الآن، لأنه يذكرني بما ينقصنا من اعتزاز بالمآثر التي سجلناها باسمائنا المستعارة، وبالبكاء الذي يلزمنا..
النضال الذي دخل نفق الالتباسات واقتصر على ملائكة من بيننا، والبكاء في وقت تتحول البلاد واحلامنا الجميلة الى فرضيات خجولة حيث تنحشر سجلات الاحوال المدنية في طوابير من الجنائز..
او قل في جنازة كبيرة، لنبدأ النضال، يا للفجيعة، من ابجديات حقوق استنشاق الهواء.
أشارك سناء وشهد حزنهما..
واعرف كم كنت تحبهما..
واشارك اخوانك واخواتك واهلك شعور الفجيعة برحيلك، وأخص اصدقاءك ومحبيك بلوعة الاسى..
متمنيا ان تبقى في ذاكرة الجميع، الابن البار لدورتنا الدموية المتدفقة دائما.