اللعبة قديمة، منذ ان كان للقطط دور كبير في تناسخ الارواح التي مرت بالشرق القديم، وظهور القط المقدس على حجارة الكهوف البورمية، ثم القط الرومي، والقط الفرعوني، وتخطيطات القطط في معابد التبت، ثم القط السيامي بلونه الرمادي، مرورا بهر المطابخ، واجيال قطط الكارتون، توم وجيري، المعروفة، فيما تنامى اخيرا شأن اللعبة مع دخول كتاب الرواية والقصص على عالم القطط والفئران، فكتب الدانيماركي هانز كرستيان اندرسن عن القطط كرمز للمنقطعين والعوانس، ثم كتب الكثيرون عنها كحيوانات مسلية للاطفال، ودخلت كتب تعليم الصغار مدخل الشعر: قطتي صغيرة. اسمها نميرة.
وتتمثل لعبة القط والفار، باختصار، في فنون الوثوب والهرب، الاختباء والظهور، المطاردة والفخاخ، الجر والعر، وعن مواهب القط هنا يقول الجاحظ في (الحيوان) ان القط يراقب الفارة:
“فإذا وثب عليها لعب بها ساعة ثم أكلها، وربما خلى سبيلها، وأظهر التغافل عنها فتمعن (الفارة) في الهرب، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها وثبة فأخذها، فلايزال كذلك كالذي يسخر من صاحبه، وأن يخدعه، وأن يأخذه أقوى ما يكون طمعا في السلامة، وأن يورثه الحسرة والأسف، وأن يلذ بتنغيصه وتعذيبه”.
في لعب السياسة، يشاء البعض (حين يكون فارة) ان يلقي على القط موصوف الشر، ثم يلقي عليه) حين يكون قطا) اجمل صفات الوداعة، وفي هذه اللعبة يتبادل المتصارعون على المواقع المواقف، فمن كان قطا في اللعبة يصبح فارا في نفس اللعبة، ومن كان في موقع المتمكن والمترهّي، يوما، يصبح في الموقع الضعيف يوما آخر، ومن يُستضعف اليوم يستاسد غدا، ومن يُحاصَر هنا، يحاصِر هناك، وتختلف المواقع باختلال القضايا المطروحة، وبحسب الانواء السياسية، وعلى وفق الصفقات والتحالفات والاوزان، لكن المهم في كل ذلك ان القط يبقى بامس الحاجة الى الفار، وان الاخير لايستغني عن صاحبه، وكلاهما يحتاجان الينا كشهود زور.. او شهود حق.