هل علينا، ان نستيقظ كل صباح، لنفاجأ بنبأ رحيل واحد من بناة ما تبقى من عمارة الثقافة وقيم الالتصاق بقضية الوطن ورسالة الحرية؟ اننا، الآن، كما لو نسقط من علو شاهق لنكتشف ان خساراتنا بمن نفقدهم لا تعوّض، فليس لدينا الكثير من قطع الغيار لاستخدامها في في ماكنة الآمال النبيلة التي تغرّز في الوحل. أحيانا نحتاج أنْ نصدّق هواجسنا العتيقة، وإنْ كانت مرة، افضل لنا من ان نبتلع الاكاذيب التي تدسها نظرية الحتميات بالقول "لا يصحّ إلا الصحيح" فثمة النتيجة ان لا يصحّ إلا الغلط، في وسط هذه الغابة من الاغاليط.
موت جلال الماشطة يثير مجددا السؤال التفصيلي: ترى مَنْ، وما الذي يعوضنا عن فقدان هذا الذي أومأ لنا بسفرٍ نيّرٍ من الاعمال والمواقف.. الذي اقترح علينا ان نجاهر برأينا امام الخوف.. الذي كتب وترجم وعمل، ولم تكن لتغريه المرتبة عن ان يتنازل عنها، أو تثنية الاوسمة عن ان يكون في قلب المسؤولية، لا تأخذه في قول الحق لومة لائم.. اقول، كم تبق لنا من هذه النجوم الوضاءة لنتباهى بها، ولنتواكل عليها في مقاومة التجريف الذي تقوم به الخرافة لحدائق الوعي والعقل.
ايتها الايام القادمة، لا تسألينا من انتم، فلدينا غير جلال الماشطة كوكبة من البناة وصناع الجمال والمواقف، المقاتلون من اجل العدالة والحرية والنزاهة، اصحاب الايادي البيضاء والاسماء الباسقة.. إسألي ايتها الايام القادمة هؤلاء الذين يمسكون باقدارنا، من على الشاشات الملونة، ويجبرون بلادنا على الاستقالة من الخارطة، من انتم؟
ستنفتح عليك بالوعات الزرنيخ. معذرة جلال.. اننا نتحدث اليك من خارج الصدد.