لا شئ يجمع الفجور بالعدالة.
الاستبداد بالعدالة،
الحكم الفردي بالعدالة، فالفاجر والمستبد والحاكم المستفرد بقراراته ابعد ما يكونوا عن فكرة العدالة وتطبيقاتها في الواقع.
عدالة الحكم او عدالة القضاء، وحتى عدالة ادارة الاسرة.
وفي صفحات التاريخ ومخاضات تشكيل الدول كانت انظمة “التفويض“ “البطريركية، ومشتقاتها، تخترع توصيف “الدكتاتور العادل“ كحل للاضطرابات وحالات الخروج على القانون ومواجهة الانشقاقات.
وقد تلقف فكرة “الدكتاتور العادل“ كتبة ودجالون وبطانات للطغاة معاصرون، وأعاد بعضهم احياء نظرية فرويد عن “الطوطم“ وهو الاب، القوي القدرة، الذي تآمر عليه ابناؤه وقتلوه، ثم عادوا وعبدوه من بعد ان شعروا باحتياجهم الى تلك القوة لضبط التوازن بينهم“ وإنقاذ ما يمكن انقاذه.
لكن كل ذلك لم يجمّل سمعة الدكتاتور والدكتاتورية في صفحات التاريخ.
كان كاليغولا الذي اتقن حرفة نشر الرعب والموت واصدر مرسوما بتعيين حصانه رئيسا لمجلس الشيوخ لم يخلف من يقول عنه انه (حتى احيانا) كان عادلا، باستثناء عشيقته التي قالت انه طفل برئ لا حدود لاحلامه.
وحظى بول بوت الذي ارسل مليونين من كمبوديي المدن الى حفلات الموت في الغابات القصية المرعبة بوسام “العدالة“ بالمعنى الذي يلفقه اصحاب نظرية الدكتاتور العادل، حيث كان سكان العاصمة “فنوم بنه“ الناجون من الإجلاء القسري يجدون ماء صالحا للشرب ورعاية صحية طيبة وحرية في التجول من على مقربة بقصر الرئيس.
ومنذ عشرينات القرن الماضي بدأت مفاهيم الدكتاتورية تطرح نفسها، في المؤلفات ومعاهد السياسة، والمناقشات، وذلك مع نشوء انظمة الحكم العسكرية السافرة، ثم انظمة الحكم الفردية المستبدة، والشمولية، وصعود الفاشيات الاوربية، والانقلابات العسكرية، حتى استقر المفهوم في جملة من المحددات تتفرع من سلطة الفرد المطلق الذي يملي ارادته على الشعب ويستفرد بالقرارات المصيرية للبلاد ويستخدم القوة والبطش والتآمر لاخضاع العامة لمشيئته، ويستعين، في الغالب، بحلقة صغيرة من الاتباع (حزب. عسكر. عائلة) لمواجهة المعارضة واحتجاجات السكان، وقد يأذن باجراء انتخابات، مسبقة النتائج، في محاولة لاضفاء الشرعية الشكلية على حكمه.
واستطاعت انظمة الدكتاتورية النموذجية (هتلر. سالازار. بول بوت. صدام. القذافي.).
بناء انظمة تبدو قوية ومهيبة من خارجها، كما مكنتها اليات التحكم بالثروات من تشييد مرافق ومدن وجسور وبيئات امنية وصناعية وتجارية مبنية على الرقابة والتدخل والخوف، وعلى طي حقائق معاناة الملايين ومصادرة الحريات واعمال القتل المنهجية وابادة الاقليات وقوى المعارضة تحت منظومة ضاربة من الدعاية الغاشمة والرشى التي فاضت على طبالين خارج البلاد كانت قد وظفت لها اموال سخية طائلة من ثروات الشعوب.
والحال، ان حاجتنا الى “دكتاتور عادل“ لا تعدو عن سيناريو بائس لانتاج طاغية جديد نتوهم بانه “ينقذ الاوضاع “ولا يهم ان يزج المجتمع في اتون الاحتراب والظلم، وأن يأتي بعائلته وابناء قريته او حزيه ليكونوا حراس الدولة “المنضبطة “وكم الافواه وتجميل العنجهية والحروب.
***
المستطرف الجديد:
“قيل للحسن البصري: من هم شر الناس؟
قال: الذي يرى انه خيرهم. “