التجاذبات حول التسوية السياسية للخلافات بين الكتل تطرح عنواناً استباقياً مخيفاً: ان هذه الكتل (وإن على نحو متفاوت) لا تدرك المخاطر المحدقة بالعراق وبزعاماتها ومصالحها، ويتناسى المتجاذبون انهم جميعا في قارب واحد مطلوبٌ لقراصنةٍ وامواج عاتية، ولحساب الملايين، وان قاربهم هذا في منتصف الطريق، وقد يغرق بهم وبنا، والحل في الاتفاق على قاعدة التضحية بالامتيازات (أو ببعضها في الاقل) وتقديم التنازلات.
انها فرصة النجاة والعبور الى ضفاف السلامة، والبديل عنها هو المقامرة.
السياسة تجيز لهم التصارع، لكنها في الوقت ذاته لا تجيز المقامرة.
المقامرة في السياسة قضت على دول وامم كاملة، والغت خرائط من الوجود، حيث وجدت لها اشارات لدى هيرودوتس وفي آثار الفراعنة والفرس والصينيين القدماء والبابليين والاغريق حتى حروب الاندلس، وحيث استعملها الفرنسيون في القرن الرابع عشر كعلاج للمرض العقلي الذي أصيب به الملك شارل السادس، وقد صنّف ارسطو المقامرين في كتابه (الاخلاق) ضمن طبقة اللصوص وقطاع الطرق.
ليتذكر المتجاذبون ان مستقبلهم السياسي ومستقبل كتلهم السياسية يتحقق فوق ارض اعلى من مستوى الماء واكثر آمناً من الامواج واللف والدوران، وخذ وهات، وقد مضت مرحلة جس النبض، واختبار النيات، وحان وقت الفعل الشجاع في فسحة ضيّقة من الوقت.
كتبوا الدستور، واقسموا، بالصوت والصورة، انهم ملتزمون به نصاً وروحاً، وها هم، يختلفون في تفسير ما كتبوا..
ويحرقون الكثير من الورق بما فيه وعود قدموها الى الناخبين..
هكذا يقول العالم.. وكتب معلق اجنبي عنهم:
”يهزون يد ناخبيهم قبل الانتخابات، وثقتهم بعدها..”
وقال ماثيو هيوز استاذ العلوم السياسية في جامعة لندن “المشكلة ان الطبقة السياسية العراقية الجديدة غير متصالحة، لا مع نفسها ولا مع بيئتها”.
أقول، ما يقوله المراهنون على خيط من الامل، انهم يستطيعون ان يغيروا معادلة القارب والغرق وذلك بحكمة الخروج من الخنادق واللاءات والمطالب المستحيلة، وتشييد خشبة النجاة من صلب معاناة الملايين، وكفى استهانة بمؤشرات الخطر، وجاء في احدى الروايات بأن نوحاً شيد سفينته، اول الامر، في صحراء قاحلة، لا ماء فيها، وحين اغارت مياه الفيضان دفع الغرقى ثمن استهتارهم، واستهانتهم بالاخطار والنصائح.
************
ابقراط: “كل مرض، معروف السبب، موجود الشفاءُ”