تصفية الحسابات السياسية، وثقافة التشهير وتسويد صفحات الخصوم تتخذ اساليب جديدة مثل اللجوء للإحصائيات والاستبيانات والمعلومات المسجلة على مسؤولية جهات اعتباطية، والى ذلك تتسابق اقنية وجهات كثيرة في ارباك عقولنا ومنظوراتنا بمعلومات واحصائيات ما انزل الله بها من سلطان” حتى ليصعب على الباحث وعلى مَن يرغب في التوثق من الاحداث والتغييرات والمعطيات التي افرزتها العقود الاخيرة من تاريخ العراق ان يعتمد رقمًا موثوقاً او معلومة مطمْئنة، كما يندر ان تجد احصائية تحظى باجماع المعنيين، الامر الذي يدفع الكثير من المدونات الموضوعية ان تضع هامشاً من الشك او التحفظ، او الدعوة للتوثق على جملة المعلومات المتداولة، واعتقد ان هذا الامر يخص العراق والبلدان التي تعاني من النزاعات وانهيار معايير التوثيق.
الى ذلك فان وزارة التخطيط والانماء وهي الجهة الرسمية التي تأخذ على عاتقها اجراء وتصويب الاحصائيات والارقام الخاصة بالأحوال السكانية والاقتصادية والاجتماعية، وهي التي تتولى (هكذا يُفترض) تزويد الاعلام وحلقات البحث والمعاهد وطلاب العلم والباحثين والكتاب بالارقام والمعطيات، وتلجأ الوزارة في اخطر بياناتها الاحصائية، عن عدد سكان العراق مثلا، على ما تسميه بـ “الفرضيات الاحصائية” فيما تنسب بعض الاحصائيات الى جهات دولية مثل منظمة اليونسكو والامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والعفو الدولية من غير توثيق اصولي لتاريخ المعلومة وجهة الاختصاص المعنية بها او رقم وحيثيات البيانات ذات الصلة.
والغريب ان المنظمات العالمية، بما فيها تلك المرتبطة بالأمم المتحدة، هي ايضاً وقعت ضحية التشويش في وصف الحقائق والمعطيات التي يعيشها الواقع العراقي، بل ونجد المئات من المعلومات والاحصائيات المثيرة التي تقرب من الفضائح تُنسب الى جهات ومعاهد وروابط لا احد يعرف مدى صحتها وماذا ترتب عليها من اجراءات المشكلة.
ان العراق انتقل من الدولة المقفلة امام الاحصائيات الى دولة مستباحة بالاحصائيات المتضاربة، ولعل الاكثر خطورة يتمثل في دخول الاحصائيات حلبة الصراع السياسي، فلكل جهة معلوماتها واحصائياتها وارقامها توظفها بحسب ما تسعى اليه.
وتشاء فوضى الارقام والاستطلاعات ان تستضيف “المنطق” في آخر جولاتها حيث اعلن فريق استقصائي “حذار رجاء“ من طلاب احد المعاهد بأن ثلثي نساء العراق يعتبرن الدعوة الى المساواة بالرجال غير منطقية..
فصفق الداعشيون، وبكى ابو المنطق، ارسطوطاليس، في قبره.
اوسكار وايلد:
“المتهكم يعرف ثمن كل شيء ولا يعرف قيمة أي شيء“.