في جميع المعايير، وأخذًا بالاعتبار التجربة المريرة الفاشلة والكارثية لحكم “الشراكة والمحاصصة“ وبعيداً عن جدية ومستوى قناعة واهلية ونضج النخب السياسية، فان اقامة حكومة أغلبية برلمانية بكفالة بتأييد اكثر من نصف مقاعد البرلمان تقابلها معارضة برلمانية هي الخيار الاقرب، من حيث المبدأ وقواعد الديمقراطية، الى الحكم الرشيد الذي يفتح الطريق الى تنمية الممارسة الديمقراطية ورفع الحمايات السياسية ”ولعبة الشراكة“ السوقية عن بؤر الفساد، والاهم، لم تبق لصاحب القرار حجة التهرب من المسؤولية عن الاخفاقات وسوء الاداء والادارة، ومزاعم ان الحكومة مكبلة بارادة الكتل وزعاماتها.
قلت ان ذلك، من حيث المبدأ، وقل من الناحية النظرية، لكن ليس كل ما يتصل بالمباديء السليمة والمعترف بها وما يمت للنظريات الصحيحة والشاخصة التطبيق، يمكن ان يجد طريقه الى التطبيق والممارسة وان يتحول ميكانيكياً الى مؤسسات وهياكل وانظمة من دون وجود العنصر البشري الذي استوعب احكام ومديات وتطبيقات حكومة الاغلبية السياسية، وفي مقدمتها شرط التداول السلمي للسلطة والاستعداد لضبط المصالح الذاتية والفئوي بعيدًا عن الاستئثار والمزاحمة، وقبل كل شيء، النظر الى السلطة كتكليف معياره ما يتحقق في الواقع من خدمات ونجاحات في الوفاء بالوعود. وما زلنا نتحدث عن مشروع حكومة الاغلبية السياسية كخيار يمكن ان يكون مقبولا كبديل عن حكم الجميع (المحاصصة) الذي انتهى الى صراع مفتوح وشرس ومدمّر وسلسلة تصدعات وحروب واعمدة دخان في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة وانسحبت الى صفوف المجتمع، قوميات وطوائف واحزاب وعشائر، والى داخل كلٍ من هذه الموصوفات.
وسيكون هذا المشروع المطروح من قبل كتلة “دولة القانون“ وزعامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي حصراً موضع معاينة حذرة ومشوبة بانعدام الثقة في استعداد لاعبي هذا الخيار في تفكيك منظومات المحاصصة وهم غارقون في بحبوحاتها ويديرون ماكناتها ومصالحها حتى صارت الكتلة دولة داخل دولة، والحال، ان المحلل الموضوعي لابد ان يرصد شبهة الدعاية الانتخابية المبكرة في ما يتابعه من ترويج لشعار حكومة الاغلبية البرلمانية، وسيكون خاطئاً في رصده اذا ما أقدم اصحاب المشروع، من الآن، على تفكيك العقل المحاصصي في صفوفهم وممارساتهم، وقبل ذلك تفكيك الدولة المحاصصية التي يديرونها.. وحتى ذلك الوقت فان ثمة حقاً لمن يقول ان شعار حكومة الاغلبية البرلمانية يستهدف الى تحقيق محاصصة محسنة.. محاصصة السمك الكبير الحجم الذي يطرد الاسماك الاقل حجماً.
**********
الامام الحسين:
“إن لم يستقم دين محمد إلا بقتلي فيا سيوف خذيني“.