مراجعة تاريخنا والاحداث والانعطافات الكبرى التي شهدتها بلادنا في قرن من الزمان ضروري الآن وفي كل وقت، ليس فقط بغرض تصحيح معارفنا التاريخية بل وايضا لبناء احترازات عقلية وسياسية ومجتمعية حتى لا نفع في الاخطاء والكوارث ذاتها، ولهذا فان صدور مؤلفات جديدة عن ثورة الجمهورية 14 تموز 1958 له ما يبرره في هذا المعنى بصرف النظر عن سلامة او عدم دقة الاستنتاجات التي توصل لها مؤلفو هذه الاصدارات.
ان تجربة كومونة باريس(1871) العمالية مثلا بقي موضوعاً على طاولة التحليل والمراجعة والنقد اكثر من مائة عام حين عقدت حلقة بحث في باريس العام 1971 لاعادة قراءة الحدث من زوايا نقدية، علماً بأن كارل ماركس سبق الجميع في تسجيل ملاحظات انتقادية على ما وُصف بـ “سلطة اول دكتاتورية للبروليتارية في التاريخ“.
اقول، ومن باب المعاينة الموضوعية لمآل ثورة تموز بأن الصراع على السلطة.. الاستفراد بها والتآمر عليها.. اضاع ثورة 14 تموز من بين اسباب اخرى، رئيسة وتفصيلية وجزئية، وبمعنى ما، اضاع العراق (في ذلك الصراع) فرصة بناء جمهورية دستورية مستقرة تتمتع ملايينها بالرخاء والحياة الامنة والحرية، وقومياتها وطوائفها وعقائدها بالاحترام والحرية، ويجد بيانها الاول ووعوده مدى للترجمة الى واقع.
وكان المستفردون والمتآمرون يبررون موقفهم، آنذاك، بشعارات المصلحة الوطنية من جهة والمصلحة القومية من جهة اخرى، وإذ تمادى فريق منهم في التآمر والتجييش والغدر، فقد وجدت الجمهورية الاولى نفسها في بركة دم ومسلخ بشري، في الثامن من شباط 1963.
في التفاصيل يصح القول بأن الشريحة العسكرية التي قادت انقلاب الجمهورية الاولى، كانت تحت تأثير موجة الحركات الوطنية التحررية العالمية من الاستعمار والتبعية في مطلع واواسط القرن العشرين، وانها (وربما غالبيتها) لم تكن مشبعة بافكار الديمقراطية واحترام الحريات وتداول السلطة وحسن ادارة بلد متعدد الاطياف والعقائد، وانها وُضعت منذ الايام الاولى للثورة تحت ضغط االتدخل الخارجي المتعدد والمعقد الاشكال، لكن المحصلة النهائية لتجربة الثورة، كشفت عن خلل قاتل لدى الطبقة العسكرية الانقلابية يتمثل في نمو النزعة الفردية، ثم الفئوية، بمديات واسعة وخطيرة، من جانب، وانحسار الفعالية الشعبية، والتباس وعي النخب الطليعية لضرورات كبح الاندفاع في الصراع على السلطة وترويج خيار الديمقراطية والحيلولة دون اغتيال الثورة، من جانب آخر.
هذا بعض من عناوين الملف الذي يتقاذفه التاريخ.. والتاريخ لا يرحم كما يقال.
*********
جين فوندا- ممثلة امريكية:
“نحن نتعامل مع عالمنا وكأن لدينا آخر في حقيبة السيارة”.