منذ ان وزعت “الهيئات المستقلة “الواحد والعشرين على الكتل السياسية التي تصدرت نتائج أول انتخابات العام 2005 فقد جرّت معها النظام السياسي والمجتمع كله الى صراع (حرب) المصالح الفئوية والحزبية بعنوان المحاصصة، وتقاسم اسلاب دولة ما بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية، ومن ثم لم تنفع جميع المحاولات التي اتجهت الى تلطيف سمعة وهيكلية وخطيئة هذه الطعنة لاحلام التغيير في وضعها موضع القبول، على مختلف الاصعدة، بما فيها الاحزاب نفسها، المنتفعة من اسلاب المحاصصة، حيث كنا نسمع ونقرأ، شتائم موجهة الى الحاكم الامريكي “المدني“ بول برايمر الذي ولد قانون الهيئات المستقلة على يديه.
كما تبرأ الكثيرون من القانون وتبعاته وما تمخض عنه (بالاعلام طبعا) ودخل ذم المحاصصة في البيانات والتصريحات الانتخابية، وتبارى المتحاصصون في اختيار اشنع الاوصاف لقانون ومآل الهيئات المستقلة، من دون ان يبادر، ولا واحد من الشتامين والمتبرئين، الى التخلي عن حصته من المحاصصة ليضرب مثلا في لزم الاقوال بالافعال، اللهم إلا حالات سكوت او استقالات هنا وهناك، ومحاولات حكومية فاقعة (نجحت طبعا) في قضم “الحصص “التابعة للشركاء وجعلها حصة واحدة (من الاتباع) تحت شعار لا نريد تعيينات وفق قاعدة المحاصصة البغيضة، وانتهى الامر الى صيغة محاصصة ابغض مما صاغته يد برايمر.
وفي بدايات عهد حكومة حيدر العبادي جرت (كالتزام للشراكة السياسية) محاولة انهاء حالة رئاسات الهيئات المستقلة بالوكالة، فتقرر (وفق تصريح رسمي) اعتماد توزيع جديد ينال “المكون الشيعي“ فيه على رئاسة 10 هيئات مستقلة كما نال “المكون السني“ رئاسة ست هيئات أما «المكون الكردي» فكانت حصته رئاسة خمس هيئات، غير ان المحاولة انتحرت في عقر دارها عندما شكلت الوكالات والجهات التي تقف وراءها ساترا حربيا تمتد دونه بحيرة دم واعمدة دخان واصوات مدافع، فتراجع الجميع على مضض، وانتقل المشهد الى صراعات فرعية، لم تخف التنامي المضطر للسخط على المحاصصة والهيئات المستقلة، وانتقلت الكرة الى ملعب برنامج آب 2015 الاصلاحي الذي اعلنه العبادي الذي اكد في اكثر من تصريح على ضرورة انهاء حال المحاصصة في اختيار هياكل الهيئات المستقلة وتمخض ذلك في اعلانه في 16 اب الماضي عن فتح باب الترشيح لرئاساتها من دون اعتبارات الطائفية وعلى قاعدة الكفاءة وحقوق المواطنة، مؤكدا “أن الهيئات المستقلة يجب ان تخرج من المحاصصة وان تكون مستقلة فعلا، وان عدم تكافؤ الفرص وانعدام العدالة يؤدي الى الظلم والفساد وتدمير المجتمع.” .
من زاوية معينة فقد كان اعلان العبادي خطوة نحو اعادة الهيئات المستقلة الى حيث مكانها الصحيح، كهيئات مستقلة، بمواجهة المحاصصين الذين وصفوا هذه الخطوة بالقول انها “مؤامرة “في وقت صارت نظرية المؤامرة عارضا مرضيا للبعض.. والعياذ بالله.
********
من مستطرف هادي العلوي:
“شهد رجل عند القاضي(سوار) فقال له: ما صناعتك (مهنتك)؟
فقال: مؤدِب. قال القاضي: لا اجيز شهادتك.
قال: ولمَ؟
قال: لانك تأخذ على تعليم القرآن اجرا؟.
قال: وانت تأخذ على القضاء بين المسلمين اجرا.
قال سوار: انهم اكرهوني.
قال: اكرهوك على القضاء، فهل اكرهوك على اخذ الاجر؟
رد القاضي: هلم شهادتك”.