تكرار الشكوى من تدخل الدول المجاورة في الشؤون الداخلية اصبح مملا، حتى لم تعد الدول المعنية تهتم بالاتهامات التي يوجهها لها النواب والساسة وكتاب الصحف ومعلقو الاعلام، ولا تكلف الجهات الرسمية العراقية نفسها باللجوء الى المجتمع الدولي لوقف هذا التدخل، فيما يفاجأ المراقبون بلقاءات تعقد على مستويات دبلوماسية وبرلمانية، واعلى المستويات، مع مسؤولين كبار لدول متهمة بالتدخل والتآمر على العراق.
نعم، هناك تدخل اقليمي في شؤون العراق، لكنه يتم (في الكثير من وقائعه) بواسطة ادوات سياسية عراقية او عبر اقنية مالية او استخبارية "حريرية" يسوقها عراقيون.. والمهم هنا الإقرار بان الدولة العراقية تعاني من ضعف في مفاصل كثيرة، لعل اخطرها هشاشة كفاءة الدفاع عن البلاد ونقص مستلزمات حماية السيادة، في منطقة تخوّض في محاور متصارعة وسباق تسلح واطماع توسعية خارج الانضباط، فضلا عن هوس تصفيات الحساب بين هذه المحاور وبينها وبين الاستراتيجيات الامريكية والروسية والاوربية على الارض العراقية. الى ذلك انتجت هذه التطورات سماسرة عراقيين يتبنون سياسات الدول المجاورة ومصالحها. يبرئون هذا المحور، او ذاك، من ظنة التمدد في الشأن العراقي وإفساد نسيجه، أو يهاجمون محورا آخر بتهمة التآمر على البلد. اما الوجه الآخر لهذا الغش فيمكن قراءته في زعم هؤلاء الوكلاء جميعا بان العراق بحاجة الى جار يحميه من جار ينكل به.. فمن يحمي؟ ومن ينكل؟.
"يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه
لا يستطيع أن يريد ما يشاء".
شوبنهاور