طبعا.. لا أعني هنا "الولاء" السياسي الذي تمليه القناعة الحرة، ولا موالاة زعامة معينة عن ايمان ومن دون انتفاع..
اعني الذين يعرضون ولاءاتهم للبيع ويحملونها في أكياس الزبالة.
ففي غضون عقد من السنين، وفي غياب معايير الخدمة والشأن العام واضطراب الضمير السياسي تكونت بطانة من انصاف السياسيين والكتاب والإعلاميين تتاجر بالولاءات بحسب اتجاه الرياح والنفوذ والسلطة، وصارت لدى هؤلاء مجسات لا تخطئ عن الاقدار والحظوظ والصفقات، فكانوا يتسابقون للوصول الى"الوليّ" حتى قبل ان يصعد السلم الى الموقع النافذ.
انهم يستخدمون حاسة شم لم يذكرها حتى ابن سيناء عندما رصد 10 آلاف رائحة مسجلة لهذه الحاسة الفريدة.
في التاريخ القديم (لنبتعد عما يجري الآن)
الشاعر الشامي الاصل ابو عمرو كلثوم العتابي كان حائرا في تقرير ولائه بين حكام وولاة لا يعرفون العدالة، ولا يزاولون الحق، وكان في ضيق وفي حاجة، ونقل العلوي في مستطرفه الجديد انه قيل للعتابي يوما:
لمَ لا تقصد السلطان فتخدمه، فقال “لأني اراه يعطي واحدا لغير حسنة، ولا يد(استحقاق) ويقتل الآخر بلا سيئة ولا ذنب، ولست أدري اي الرجلين انا؟”.
اما ابن طباطبا، محمد بن ابراهيم، فقد مل الولاء الى المأمون، وفيما كان يقلب الامر شاهد وهو يسير في احد طرق الكوفة عجوزا تتبع احمال رطب (دواب تحمل تمرا) فتلتقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء رث.
فسألها عما تصنع بهذا الرطب المتسخ في الرداء البالي، فقالت:
اني امرأة ارملة ولي بنات صغيرات، فانا اتتبع هذا (الرطب) من الطريق واتقوته انا وعيالي، فبكى ابن طباطبا بكاء شديدا، وقال "انتِ والله واشباهك تخرجوني غدا (أتمرد على الولاة) حتى يسفك دم".
وثمة افضل تلخيص لمأزق الولاءات المؤجرة ما جاء على لسان شاعر "مرتزق" قديم بقوله:
ويوم سمين ويوم هزيــل
ويوم امرّ من الحنظلة
ويوم ابيت جليس الملوك
ويوم انام على مزبلــة.