حينما تحتفل (بانوراما) بصدور عددها السنوي الخاص فليس لبانوراما وهي طائر الكلمات المحلق إلينا من استراليا سوى فيض من زهر الكلمات ومشاعر المحبة التي نتمنى معها دائما لبانوراما وللسيدة وداد فرحان ولكتابها وقرائها المزيد من التألق والتحليق في فضاء الإبداع والنجاح. كل عام وبانوراما هي البانوراما الأجمل.
........................................................................................
حيـن يلتمس الكاتب العربـي العـذرَ للإرهابـي العربـي
من غير الواضح ما إذا الكاتب العربي يريد أن يبرر للإرهابيين إرهابهم أم هو كان يريد قصداً آخر فضلَّ الطريق والتعبير وذلك حين كتب عن تفجيرات باريس الأخيرة فذكّر العاصمة الفرنسية بما كانت قد شهدته من أعمال عنف وتفجير عام 1995 حيث (لم تكن “داعش “قد ولدت بعد، ولا “القاعدة“ذاتها) بتعبير الكاتب العربي نفسه في مقال له بجريدة القدس وليس بتعبيري
الإشارة إلى تفجيرات 1995 ومعها الإشارة إلى تأخّر ميلادَي داعش والقاعدة عن ذلك العام تؤديان، سواء درى الكاتب العربي أم لم يدرِ، إلى أنه يريد أن يضع تاريخا آخر لعنف آخر تتحمل مسؤوليته فرنسا بشكل خاص والغرب بشكل عام وإن بقي مقال الكاتب يتحدث بحدود فرنسا حصراً.
ولا بأس في هذا؛ فكثير من العرب وغير العرب يحمّل الغرب جانباً من مسؤولية ظاهرة الارهاب بنسختها العربية الإسلامية الأسوأ والأتعس على مدار التاريخ الإنساني. لكن البأس هو في ما توحي به الجملة وعموم المقال من توفير ذرائع لداعش والقاعدة من جهة، ومن أخرى لعموم التطرف والتشدد الإجرامي الناشئ بين أجيال العرب المسلمين الذين ولدوا وترعرعوا في كنف الملاذات الأوربية.
يذهب مقال الكاتب إلى أن فتى عربياً تربى بشكل سليم في بلده العربي ولكنه حين جاء إلى فرنسا وتفوق علميا اصطدم بالفروقات وبالعنصرية وبالعزل الاجتماعي فلم يجد خياراً سوى (الإسلام).
بمنطق هذا الكاتب لا يذهب الإسلام ببنيه إلا إلى العنف ليحلوا مشاكلهم. ربما جاء هذا سهواً في التعبير، لكن منطق المقال بمجمله يفضح العقل التبريري الذي يسوق المقنع وغير المقنع لتأكيد هدفه، ولا هدف سوى أن عنصرية وطبقية الغرب هي ما يدفع بالشبان العرب المسلمين إلى خيار لا بديل له، خيار التطرف الذي من نتائجه تفجيرات باريس الأخيرة.
ما كنت لأقف عند هذا المقال لو لم تكن معرفتي بكاتبه ونباهته ونضجه كافية لتدفع بي إلى الوقوف عند ما يفعله الغرض الإيديولوجي (مهما كانت دوافعه) بصاحبه وما يدفع به إليه من أخطاء قاتلة.
مشكلة هذا الكاتب مع نباهته تقترب بصيغة ما من نباهة (نموذجه القياسي)؛ نموذج الشاب الذي يتحدث المقال عن تفوقه العلمي ومن ثم انخراطه في الإرهاب.
نباهة الكاتب لم تذكّره بما كنا نشكو منه قبل عقود، قبل أن يشوه الارهاب صورتنا ويجعل منا ضيوفاً ثقلاء حيثما نكون؛ لم يتذكر ما كنا نلوكه من كلام حين كنا نرى في الغرب سارقَ بشرٍ لا همّ له سوى أن يراقب عباقرتنا الدارسين في أفضل جامعاته ليغريهم بالبقاء في مراكزه وجامعاته ومؤسساته الأخرى فلا يترك لنا فرصة الإفادة منهم.
حينذاك كانت نباهتنا مثل نباهة الكاتب العربي الآن، لقد كانت تذهب بنا إلى أن الغرب عنصري وطبقي يكره عرقنا ويريد ابقاءنا عند فقرنا فيسرق منا كفاءاتنا سابقاً وهو عنصري طبقي يحاصر أبناءنا الآن العباقرة هناك فيدفع بهم إلى الإسلام = القتل!
الكاتب العربي نسّاء، إن لم أقل يتناسى أن ما قبل 1995 كانت بلداننا هي من تدفع بآلاف المتطوعين جهاراً نهاراً وبعمل منظم ومعلن من أجل الجهاد في افغانستان، ويتناسى حيرتنا في الثمانينيات مع العرب الأفغان الذين عادوا إلينا من جهادهم حاملين الفكرة القاعدية ومعها الاستعداد التام للقيام بأفظع الجرائم.
تتعطل ذاكرة هذا الكاتب فلا يتذكر نواتات القاعدة التي عاثت قتلاً وتدميراً ورعباً في الجزائر ومصر، وكل هذا كان في سنوات ما قبل 1995 التي يراها سنوات أمن وسلام ويرانا فيها ملائكة صالحين.
الكاتب العربي يدوس على نباهته فلا يرى أن في الغرب مواطنين ومقيمين آخرين سوى اللاجئين العرب المسلمين يعانون أيضاً من الطبيعة الرأسمالية للأنظمة هناك، لكن سوانا لم يفكروا بما فكر به تكفيريونا من إطلاق العنان لنزوعهم الاجرامي الارهابي التدميري لحل مشكلاتهم النفسية في مجتمعات لا يعرفون سبيلا للتعايش معها.
وقبل كل هذا فإن الكاتب النبيه لا يريد التفكير بدواعي اجرام الارهاب ضد شعوب عربية مسلمة هي المتضرر الأشد من هذا الطوفان الإرهابي؟
هذا هو العقل الثقافي الذي يزيّن للمجرم جريمته ويبرر للإرهاب إرهابه..
هذا هو التضليل الذي يريد منا عصب أعيننا عما نفعل لنتذرع بآخر آوانا ويدفع لنا الصدقات والمعونات وسائر التأمينات الانسانية الأخرى وربما كان كاتبنا من المتنعمين بها في واحد من بلدان اللجوء الكافرة.
بعضنا يعيش في الغرب ويرتزق منه ثم يفجره ويفجرنا.. وبعضنا يقيم هناك ويرتزق من هناك ثم يسوغ جريمة أخيه ضد مضيِّفهما.
أنا متفاجئ بما كتبه صبحي حديدي في القدس العربي والدولي!
وكان يمكن أن لا أتفاجأ لو كان المقال في صحيفة فرنسية موجهاً للفرنسيين وليس في صحيفة عربية موجهة لقارئ عربي.