حينكان النفط مصدر ثرة كبيرة قلنا إن كل كوارثنا هي في نفطنا وطمع الآخرين به. إما وقد صار نفطنا ماءً فها نحن نقف حيارى كيف لنا أن نحيا من دون النفط. نعم كان النفط مشكلتنا، ولكن ليس لأنه مبعث طمع الآخرين وإنما لأنه ثروة.
الثروة مال، وكل من لا يجيد التصرف بماله فإنه يحترق به، وقد احترقنا مراراً بنفطنا.
حيناً كانت أموال النفط تغرينا فأشعلنا تحت اغرائها حروباً وجرى حيناً توريطنا بحروب، واختلقنا، واختلق آخرون لنا ومعنا أسباباً للحروب، وكان الداعي لكل ذلك هو تخمة المال.تخمة المال بأيدي جهلة لا يعرفون السبل الأصح لاستثمارها ولإنفاقها هو شكل من أسوأ أشكال الفقر.
روى قيادي نفطي سابق من النظام السابق (تايه عبدالكريم) عبر التلفزيون أن مصارف سويسرا امتنعت يوماً عن قبول إيداعات مالية من العراق. كان هذا قد حصل قبل أن نكتشف طريق الحروب، وكان قد حصل حين كانت إيداعاتنا قد بلغت حداً بحيث عجزت المصارف عن إمكانية دفع فوائد لنا عن أموالنا المودعة بمئات المليارات. لكن هذا حصل أيضاً حين كان العراقيون ينتظرون مكرمة يأتي بها قدر ما فيحصل الواحد منهم على قطعة أرض يبنى عليها بيتاً أو يحصل على سيارة ظل سعرها في العراق يعادل سعر البيت حتى سقوط ذلك النظام فيما كانت الهبات والأعطيات يجري الاغداق بها على الخواص المقربين، وفيما كان رأس هرم السلطة ينظر إلى مال العراق كما لو أنه راتبه الخاص وإلى العراق كما لو أنه بيته المسجل باسمه طابو. يومها لم يكن يهمنا ما إذا صعد سعر برميل النفط أو تراجع.
كان شعار الحكومة (نفطنا لنا) بينما كان لغط الناس يقول: (الله يلعن اليوم اللي صار بيه عدنا نفط).
أحرقنا النفط ومليارات النفط بالحروب وبكذبة التصنيع العسكري فاحترقنا بهما، بالنفط وبمليارات النفط.
هل تتذكرون ذلك المطر الأسود الذي انهمر علينا في بغداد أثناء (أم المعارك/عاصفة الصحراء) حرب الـ 1991؟
كان ذلك المطر هو التعبير الواقعي المباشر عن مصير النفط وقد احترق فعلاً بالغارات، وكان هو التعبير الأشد واقعية عما جنيناه من النفط، أن يحوِّل حتى المطر إلى سخام سوّد الوجوه والبيوت والشوارع.لكن ماذا بعد 2003 وقد أزيل الدكتاتور مالك العراق وما في العراق؟
ألم تتدفق المليارات النفطية وبسابقة غير مشهودة في انفجار سعر البرميل؟
أين النفط؟ وأين مئات مليارات الميزانيات النفطية الانفجارية؟
لا يحتاج الأمر إلى التذكير.
كيف لعاقل أن يذكّر بفساد مازال يحيا بيننا ومازال يعيث حتى بالفتات المتبقي من ذكرى النفط وملياراته؟
إن فساد ما بعد 2003 هو الوجه الآخر لفساد ما قبل 2003. كلاهما دمرا كل شيء وكلاهما مسؤولان عن مصير بلد ظل شعبه يشكو من وفرة النفط وها هو يشكو من غياب النفط.