مع مصادفة مرور أربع سنوات على ترجمة ديوان (شريط صامت) إلى الإنكليزية من قبل البروفيسور محمد درويش وطبعه من قبل دار المأمون ببغداد، وذلك بعد عام على صدور الديوان بالعربية عن دار المدى في كل من بغداد ودمشق وبيروت أعود إلى الديوان لأستعيد شيئاً عنه بمناسبة أخرى، هي جديدة ولكنها ليست بعيدةً عن ترجمة الديوان.
قصائد الديوان مكرسة بالكامل عن حالات العنف المختلفة التي شهدها البلد ومازال منذ عام 2003، وهو الديوان الأول الذي يصدر داخل العراق بمثل هذا الاهتمام. طبيعة اهتمامات الديوان وأغراضه كانت صادمة حينها للذوق الشعري المهيمن، وقد جرى التعبير نقديا بشكل صريح عن هذه الصدمة داخل العراق وفي الصحافة العربية ومن خلالها تسرب تشكيك في القيمة الشعرية لهكذا قصائد وديوان. لكن اليوم، وبعد أن بات العنف والدمار مشاعاً في أكثر من بلد عربي، فإن الشعر في معظم هذه البلدان المبتلاة صار يحاول أن يكون على صلة بالوقائع التي تجري وبمعاناة الناس في هذه الوقائع السود.
إما في العراق فإن اتجاهاً واسعا آخذ بالرسوخ والتكريس لتجارب شعرية جديدة موضوعها الحياة تحت ظل العنف والدمار.
لم تكن صلتي بمثل هذا الشعر وليدة ظرف العنف ما بعد 2003؛ ففي التسعينيات كتبت (هذا خبز) وبعدها (الملائكة على شرفات مستشفى الأطفال)، وهي نصوص رائدة في التأسيس لشعر وثيق الصلة بالحياة وبتمزق الإنسان تحت وطأتها في ظروف الحصار المزدوج الدكتاتوري والأمريكي الدولي ضد العراق والعراقيين.
ما كان لي أن أكتب (شريط صامت/ نصوص عن الرصاص والسيارات والدم) لو لم أكن قد أنتجت ديوان (كتاب اليوم) في التسعينيات.
العنوان الشارح (نصوص عن الرصاص والسيارات والدم) الملحق بـ (شريط صامت) كان موضع احتجاج أكثر من صديق شاعر وجده حينها مفرطا في نثريته و(مباشرته)، وكنت في كل مرة ازداد إصرارا على تلك المباشرة؛ إنها صنو المباشرة التي يواجهنا بها الموت.
سعيد جداً أن ينفتح شعراء شبان عراقيون وعرب على مثل هذا الاهتمام الحيوي، وما لم ينفتح الشبان عليه، وهم ضحايا ما يحصل، فمن ترى له القدرة على ذلك من الشعراء الذين (رسخت) تجاربهم وما عاد ممكنا لهم التحرر من أسرها وسطوتها عليهم.
*****
جانب أولي من شهادة أكتبها عن الديوان بتكليف من فعالية شعرية في ولاية مشيغان الأمريكية أواخر هذا العام مكرسة للديوان والشعر تحت وطأة العنف.