لم تكن جريمة الكرادة هي الجريمة الأبشع لـ“داعش” والقاعدة وسواهما في سلسلة الجرائم المرتكبة ضد العراقيين في بغداد بشكل أساس وفي محافظات أخرى.
الجريمة تظل جريمة في كل حال، ولا تمايز بين جريمة وأخرى، لكن يظل لكل جريمة وقعها وأثرها في الوجدان العام. وجريمة تفجير الكرادة هي من الجرائم التي خلفت أثراً بالغاً في هذا الوجدان.
ولعل من مفاخر العراقيين أنهم ظلوا خلال هذه السنوات يجعلون دائماً من هذا الأثر الجارح للوجدان داعياً لتصعيد قدرتهم على الصمود والتحدي والمواجهة، وذلك في صراع لا يقبل سوى التحدي، إنه صراع مصير ابتلينا به من أجل أن تنتصر إرادة الحياة على شرور الموت، ويجب أن ننتصر.
الثقة بالنصر على “داعش “وكل وحوش الشر الأخرى هي دين العراقيين وهي ديدنهم وعقيدتهم في هذه المواجهة.
بعد كل جريمة ترتفع إرادة التحدي فيزداد العراقيون يقيناً بأن لا خيار سوى النصر.
إنه يقين منطلق من أبسط قواعد وبديهيات الإيمان بالنصر، فمن يدافع عن حقه في الحياة والكرامة والحرية هو أحق بهذا اليقين، يقين العراقيين، فيما لا هدف للمجرمين الارهابيين والقتلة سوى التدمير والقتل؛ لا أرض لإرهابي ليدافع عنها، ولا شرف له ليذود عنه، ولا حرية ليحامي عنها.
الإرهابي لا يفكر بمنطق النصر؛ كل ما يشغله أن يَقتل آخرين وأن يموت هو. بئس الأمنية وبئس المصير.
كان وقع جريمة الكرادة مؤلماً فعلا.
وكما هو الشأن دائماً، فكلما اشتد الألم كلما كان التحدي يزداد ضراوة وتزداد معه إرادة النصر.
ليس العراقيون غواة ألم، لكن لا أمل، ولا يُدحَر الألمُ، سوى بالتمسك بإرادة النصر.
قريباً من هذا التفجير اللئيم، شهدت كنيسة سيدة النجاة قبل سنوات جريمة استثنائية من جرائم الإرهاب. يومها أيضا تألم العراق كله، لكن أيضاً كانت الجريمة داعياً مهماً من دواعي تأكيد العراقيين على وحدتهم الوطنية وتقاسمهم الحياة والمصير والمستقبل معاً.
حصل الشيء نفسه في مواجهة جرائم أخرى؛ لم يكن حادث جسر الأئمة أولها وما كانت جريمة سبايكر آخرها..
ولم يحصل أن اهتزت معنويات الناس بعد أيٍّ من هذه الجرائم.
لا يؤلم العراقيين ما يفعله القتلة، لكن ما يؤلم حقاً هو أن يستمر هدر دماء عزيزة لم يكن من الصعب وقف هدرها، إنما بشرط ردم هذه الثغرات السوداء التي تسببت بذلك والتي يقف خلفها اللامبالاة وغياب الشعور العالي بالمسؤولية والاحتماء بقوة النفوذ.