في آخر التقارير الدولية عن المرتبات الشهرية لزعماء الدول وقادتها السياسيين يتقدم رئيس الوزراء السنغافوري على زملائه براتب شهري قدره 1.700.000 دولار.
هذا الرقم، وحسب التقرير، هو الأعلى بين المرتّبات، بعبارة أدق فهو الأعلى بين المرتبات (المعلنة) لرؤساء وملوك ورؤساء وزارات الدول.
هناك الكثير من الحاكمين في جمهوريات وممالك وإمارات لا يمكن الوصول إلى مقدار ما يتقاضونه من رواتب، فيما هناك آخرون لا يمكن معرفة إيراداتهم من الأموال التي يحصلون عليها جرّاء عملهم (الوظيفي) في دولهم، فالراتب بالنسبة لهؤلاء ليس هو مصدر الدخل الوحيد خصوصاً لمن يصل إلى السلطة من خلفية تجارية أو صناعية أو استثمارية بمختلف المجالات التي تدرّ الملايين.
وسوى كل هؤلاء فإن بعض الحكام من تعامل أو يتعامل مع خزينة دولته، ومع دولته ككل، بوصفها ملكا شخصياً..
مثل هؤلاء لا يحتاجون إلى مرتّب شهري محدد ومعروف، لا ينتظرون (رأس الشهر) ليوقّعهم موظف حسابات على ورقة الراتب..
أنهم (رب بيت) يتصرف وينفق ما في البيت على هواه وعلى وفق ما يرى احتياجات البيت وأفراد هذا البيت في هذا المجال أو ذاك..
في العراق، مثلاً، اختفت ولسنوات ليست قليلة حتى الميزانية العامة، فلم تكن لتعلن..
ولم تكن هناك من حدود لصلاحيات الإنفاق من قبل رأس النظام الدكتاتوري السابق. لكن حتى إعلان الميزانيات غالبا ما يكون عبارة عن ممر سري لفساد أكبر.
وجود ميزانية، وحتى تحديد أوجه الصرف وضبطها بصلاحيات محددة للحاكمين والوزراء لا يعني دائماً السيطرة النزيهة والأمينة على المال العام..
فخلال السنوات الأخيرة كان الفساد يجد له عشرات المنافذ الشرعية منها وغير الشرعية للتصرف بالمال العام وبما يجعل الكلام عن راتب وظيفي محدد، حتى وإن كان مبالغا فيه، نكتةً سمجةً بحيث سمعنا مراراً أن نواباً وشخصيات أخرى متنفذة كانوا لا يستلمون رواتبهم الوظيفية وإنما تذهب لـ (أعمال الخير).
هذه (التبرعات الخيرية) هي ما تجعل المرء لا يقف بجدية طويلاً عند الحدود الدنيا لرواتب كبار رؤساء وملوك وأمراء الدول كما جاءت في التقرير الذي بدأنا به هذا العمود..
ففي التقرير هناك رواتب لمسؤولين كبار في دولهم لم تتجاوز مئات الدولارات.
مثل هؤلاء المتعففين على رواتبهم وهم في مناصبهم عادةً ما يكونون أكثر مدعاة إلى الشك والارتياب بمداخيلهم وبنزاهتهم.
قبل قرون كان الخليفة الرشيد واضحاً حين خاطب غيمة عابرة بالقول:
امطري حيث شئت، فإن خراجك لي.
لكن في العالم المعاصر من الحاكمين من يستطيع قول شيء مثل هذا لغيمة عابرة في السماء ولثروات ما زالت مطمورة في أعماق الأرض وحتى للهواء الذي نتنفس..
ما الحاجة إلى الراتب إذن؟