إلى حد كبير، باتت المعركة في سوريا أقرب إلى حرب إقليمية، بدرجة أساس، ودولية بصورة ما، إنما ميدانها الأرض السورية.
معركة حلب ونتائجها، وما قد يتبعها، هي تفاصيل بعضها ظاهر وبعض منها سيظهر خلال قادم الأيام، لتكمل بعضها ولتقدم الصورة الأوضح عن الحرب الإقليمية الدولية المستعرة هناك. وفي اليمن كانت التفاصيل قد اكتملت قبل أشهر سبقت بها الصورةُ اليمانية للحرب الإقليمية الصورةَ السورية.
الصورة اليمانية كانت أكثر وضوحاً وأشد مباشرةً لأسباب جغرافية أخطأ (التحالف الإسلامي) فيها تقدير الوضع اليماني، فكان التدخل مباشراً.
لقد بدت اليمن لهذا التحالف مجرد مساحة محصورة في الذيل الأنأى في الجزيرة العربية، وأن الحسم فيها ممكن بقوة الطيران، فكانت الورطة. ولكن سوريا نفسها لم تكن بالبعيدة عن خطأ الحسابات والتقديرات التي جرى بموجبها التورط في اليمن، وإلا فإن تعقيدات الوضع الداخلي السوري، بخلاف الحال في ليبيا ومصر مثلاً، كانت كافية ليتردد المتورطون قبل الاندفاع إلى ما اندفعوا إليه ودفعوا معهم المنطقة بأسرها إلى المحرقة. سيكون من غير الواقعي ردّ ما حصل وما زال يحصل إلى أخطاء الحسابات وسوء التقديرات.
التجربة العراقية تدعو إلى التفكير بعدم واقعية هذا التصوّر الذي يعيد كل تدخل وتورط إلى الجهل في التقدير والحسابات.
ففي العراق بدأ التدخل مبكراً عما حصل في سواه؛ لقد حصلت التدخلات بعد 2003 مباشرة إن لم يكن قد جرى التمهيد لها قبل هذا بسنوات، وكان من مفارقات منطقتنا أن سوريا كانت من أطراف التدخل الأساسية في العراق قبل أن يتغير الحال.
كان واضحاً أن (لا جدوى) ترتجى من التدخل في الشأن العراقي باستثناء فائدة واحدة يمكن للمتدخلين التفكير بها، وهي فائدتهم بتدمير بلد وتحطيم فرصه بالاستقرار والتقدم. هذا ما حصل بعد 13 عاماً من استهداف العراق بدعم العنف فيه والارهاب وتكثير مشكلاته الداخلية.
لم يكن التدخل المباشر ممكناً، كما في اليمن، ولم يكن ممكنا له أن يكون بالوضوح الذي كان عليه في سوريا، فالعراق وضع آخر يمكن للتآمر أن يؤثر فيه ولكن ليس التدخلات المباشرة. لم تكن التدخلات، بأشكالها المختلفة في العراق واليمن وسوريا، نتاجاً لسوء تقدير وإنما كانت محكومة بدافع أساس هو تدمير هذه الدول.
ولكن واقعاً فإن الحال السوري وقبله اليماني هو ما دفع بهذه الحالة الشاذة في العلاقات الإقليمية إلى مرحلة أوضح وأخطر في التأزم.
معركة حلب يجب النظر إليها على أنها نقطة يمكن لها أن تدفع إلى تحرّي حلول منطقية، إذا ما جرى الركون إلى العقل (هل ثمة عقل؟). كما يمكن لها أن تؤجج حروباً أكثر مباشرة بين متصارعين إقليميين أرادوا للدم السوري واليماني والعراقي أن يكون ثمناً وحيداً لحرب إقليمية.