قرار ترامب بمنع دخول مواطني سبع بلدان إلى أمريكا هو تعبير عملي عن مشكلة غياب معنى حقيقي للإرهاب لدى من يريدون التصدي له في أمريكا وأوربا، وهذا فيما لو كان هذا الغياب غير مقصود وكانت إرادة التصدي جدّية.
يغيب المبدأ الأول اللازم لمحاربة الإرهاب دولياً عن مجمل (المحاولات) العالمية لمحاربة الإرهاب.
تغيب، أو يجري تغييب، معرفة الإرهاب كما هو. وهذا واحد من أسباب نمو الإرهاب، ولعلّه من دواعي وجوده الأساسية، وبالتالي فهو وسيلة للإبقاء على الإرهاب وليس للقضاء عليه.
التركيز على أن الإرهاب هو عنف محكومٌ بفكر ديني وبطبيعة عنصرية هو جانب فعلي من جوانب تغييب حقيقة الإرهاب، وتغييب هذه الحقيقة هو ما يساعد في زيادة مساحة جرائمه بعد أن ساعد في تكونه وتفاقمه.
الإرهاب يستثمر الفكر الديني ويستخدم العنصرية كوسيلة فكرية لتنظيم نفسه وللكسب وتكثير مساحته ثم كوسيلة لتنفيذ جرائمه.
لكن كل هذا الإستثمار للفكر الديني وللعنصرية لا يعني أن الإرهاب ظاهرة دينية وعنصرية.
استثمار الفكر الديني، أو جوانب منه، هو وسيلة لجمع الإرهابيين وهو أيضاً وسيلة لتبشيع أتباع ديانة.. الديانات ليست مسؤولة عن سوء استخدامها وسوء استخدام بعض من حاملي هويتها.
فلا يكفي، مثلاً، عدم وجود الدين لكي لا يحصل الإرهاب.
الإرهاب ظاهرة سياسية مخابراتية.
لا يكفي لأي فكر، دينياً كان أو فلسفياً أو سياسياً أو اجتماعياً، أن يعمل بمثل هذه القوة التنظيمية والمالية والقتالية، وأن ينتشر بمثل هذا النفوذ ووسط تعاظم قدرات ضبط الأمن والاستخبارات والرقابات عليهما من دون إرادة وتوجيه وسيطرة مخابراتية محكومة بدوافع سياسية.
السياسة والمخابرات ليستا بالطهرانية التي توجب إبعادهما حين يراد تحديد الهوية الفعلية للإرهاب.
قبل ظهور الإرهاب كانت السياسة والعمل المخابراتي قد قدّما من الفظائع والفضائح ما كان ثمنه ملايين البشر من مختلف القارات والقوميات، وكانت دائماً تجري مواراة السياسة والعمل المخابراتي وراء أتعس التسميات وأنبلها التي ظلت تستخدم لتمرير الجرائم وتسويقها وتنفيذها.
الكلام الأقرب إلى حقيقة كون الإرهاب ظاهرة سياسية مخابراتية هو الكلام الذي يريد القول إن الإرهاب مخلوقٌ جرى تصنيعه مخابراتيا ثمّ فُقدت السيطرةُ عليه وانفلتَ من سيطرة صانعه.
لكن هذا كلام غير دقيق وهو جزء من محاولة تضييع هوية ومسؤولية الإرهاب ومن ثم مواصلة استثماره سياسياً بإلقاء تبعاته على جماعة دينية بعينها.
ما متاح للإرهاب من إمكانات لا يتاح لدول حتى حين تكون ليست بالفقيرة. والمتاح للإرهاب ليس المال فقط؛ المتاح الأهم هو حرية التحرك الواقعي بين البلدان والقارات والتحرك الإفتراضي عبر الميديا المعاصرة بمختلف وسائلها.
الحرب على الإرهاب تبدأ من الإقرار بطبيعته المخابراتية السياسية ثم فض شراكته مع مخابرات كثيرة.
بخلاف هذا فإن الحروب ضد الإرهاب هي إما تضييع لجهود وفرص، أو هي مما يديم الإرهاب ويغذّي فرصه للبقاء.
المتواجدون الآن
166 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
ظاهرة مخابراتية سياسية ياسيد ترامب
- التفاصيل
- المجموعة: الكاتب عبد الزهره زكي
- الزيارات: 849
آخر ما نشره كتابنا
- 22تشرين2 فوزيـة حسـن - فنانـة مبدعة في مسيرتها الفنيـة ومتألقـة في جميع ادوارهـا 2019-11-22
- 22تشرين2 جيمس بوند في التركي 2019-11-22
- 22تشرين2 رسالة الى زملائي وأخوتي قضاة العراق البواسل 2019-11-22
- 22تشرين2 متى طفرت الدموع من عيني.. وبكى الكثيرون؟ 2019-11-22
- Home /
- نخبة كتاب بانوراما /
- الكاتب عبد الزهره زكي /
- ظاهرة مخابراتية سياسية ياسيد ترامب