بات العالم بين حين وآخر ينشغل بقلق ومخاوف من احتمال سوء استخدام الأسلحة النووية.
هذه الأيام أُقلق العالم نتيجة الاختبار النووي لكوريا الشمالية المتزامن مع الذكرى السنوية لميلاد مؤسس الدولة كيم إيل سونغ.
في العادةِ يُتّهم بالسوء في استخدام هذه الأسلحة نمط محدّد من الدول والأنظمة السياسية التي تكون جديدةً على هذا السلاح، ومن بين هذه الدول كوريا الشمالية ونظامها السياسي.
إنها دول وأنظمة طامحة لامتلاك هذا السلاح لأسباب كثيرة بينها ما هو غير معقول فيما بعضها يكون معقولاً إذا ما نظر إليه في سياق توازنات القوة التسليحية في عالمنا المعاصر.
واقعاُ أن وجود مثل هذه الأسلحة بشكل خاص وسواها من الأسلحة بشكل أعم هو نتيجة غير معقولة لتمادي المجتمع الإنساني واستهتاره بالحياة، وهذا تعميم يشمل جميع الدول ومهما اختلفت أنظمتها السياسية، وليس فقط بالنسبة لدول محددة؛ السلاح النووي ومعه الأسلحة الجرثومية ومختلف أسلحة الدمار الشامل تعبير فظيع عن انحطاط نزعة البشر للقتل والتدمير والاستبداد. تحديد دول جديدة على السلاح النووي وذات أنظمة سياسية محددة بقصد منها من الامتلاك هذا السلاح هو أمرٌ يحمل بعداً سياسياً أكثر من كونه تعبيراً عن حرص على سلام وأمن الحياة على هذا الكوكب.
التفكير المنطقي بالسلام يقتضي تطهير العالم، كل العالم، من هذه الأسلحة وحظر تصنيعها والإتجار بها على وفق قوانين صارمة.
لم يعد ممكناً اقناع الناس بأن الدول الديمقراطية المحكومة بقيود تشريعية وببرلمان وبإرادات شعوب حرة هي دول رشيدة ومتعقلة بالتحكم بمثل هذه الأسلحة. المثال الأبرز على امكانية الشك حتى بالديمقراطية وبقدرتها على كبح جماح الشر هو المثال الألماني النازي.
مجرد وجود هذا السلاح لدى أية دولة هو شكل أكيد من أشكال تهديد الآخرين، وإلا ما مبرر امتلاكه والاحتفاظ به؟ ألا يمكن لسكان هذا الكوكب أن يتعايشوا من دون عصا نووية غليظة يلوّح بها، ولو صامتاً، هذا الطرف القوي أو ذاك؟ بعد هذه الأطوار الحضارية المتقدمة وبعد مضي البشرية قُدُماُ بالتمدن وبتقدير قيمة الحياة بات من الممكن التفكير بنزع ليس الأسلحة النووية ومختلف أسلحة الدمار الشامل حسب وإنما أيضاً الكثير من أسلحة القتل الجماعي وبعيدة المدى.
يمكن في هذا العالم استخدام أسلحة أخرى في التنازع والحروب، إن كان لابد من حروب، ولعل استخدام المال والاقتصاد والتجارة وسائل في (العقاب) هو البديل الأكثر (تهذيباً) في التسبب بـ (الأذى) لمَن يراد أذاه. قد تسيئ فعلا دولة من الدول (المارقة) استخدام هذا السلاح، إنما (المنع) ما عاد ممكناً. الممكن الأكثر واقعية هو تحرير العالم من الخوف. ولا يتحرر العالم من الخوف ما لم يتحرر من نزعة القتل. وحيثما كان سلاح ستكون هناك إرادة، ولو مضمرة، لسوء استخدامه وللتخويف به.