ليس بين البلدان ما هو أسوأ من بلدٍ يتقرر مصيره في الخارج من أراضيه.
إننا في منطقة البلدان السيئة.
نحن في منطقة باتت معظم دولها مرتهنةً لإرادات الخارج. القويّ فينا لا تظهر عليه إمارات القوة إلا بموجب ما تقتضيه الإرادة الخارجية الأكبر، فيما معظم الضعفاء منا هم ضعفاء بمؤثرات خارجية أيضاً. تبعاً لهذا فإن أقوياءنا هم أقوياء فقط على ضعفائنا.إنهما قوة وضعف غير حقيقيين فلا يعبران عن حقيقة قوة القوي ولا ضعف الضعيف.
الحقيقةُ الأكيدة هي زيف القوة التي يتظاهر بها بعض الدول، والحقيقة الأكثر تأكيداً هي أننا جميعاً ضعاف، وفي محفل الضعاف يستقوي الجبان ويستنمر على سواه كلما مسحت على كتف هذا الجبان كفٌّ هازئة تمتد بها إرادة خارجية، هذه الإرادة هي التي تحتاج اليوم (س) قوياً على (ص) من بعدما هُيّئ لـ (ص) لسنواتٍ، وبمسحةٍ سابقة من الكف ذاتها، أنه الأقوى والأقدر على فرض سطوته في هذا المحفل الخاوي المتطامن على ضعفه وخوره وهزال حاله.
الإراداتُ الخارجية الأكبر من إرادات ضعفنا كلنا هي الكف التي تمسح على الأكتاف، وهي الكفّ الممسِكة بخيوطِ القوة والضعف المحرِّكة لدول المنطقة، وكلُّ ذلك يتواصل في لعبة تتغير فيها الأدوار وتتبدل معها الأحوال، بينما الثابت الوحيد بينها هو اندفاع الجميع نحو شحوب الحياة وخراب البيوت وتحطُّم الدول، حتى ليس أمامنا سوى الظلام المتعاظم الذي بات يحول دون أية رؤية مرتجاة للمستقبل.
لقد بقينا لعقودٍ نحيا على بلاهةِ أننا مواطنو دول ذات سيادة فيما كان كل شيء يجري من وراء ظهورنا، كمواطنين بسطاء.
كل شيء كان يباع بالسر والخفاء؛ السيادات والشرف والكرامة والحاضر والمستقبل.
كان هذا في الماضي لكن المصير الأفظع بات في الحاضر الذي لم يعد يحتاج إلى سرٍّ ولا إلى خفاء؛ دول تتحطم بأموال دول أخرى، وأموال بالمليارات يجري دفعها مقابل ضمان البقاء في الحكم لسنوات أخرى، وأموال أخرى أعظم تُهرَق على أسلحة تشترى من أجل حروب مُتوهّمة حتى ينتهي مفعولها وهي في مخازنها، ولعل هذا هو حسن الحظ الوحيد لمن يتورط بحرب حتى الآن.
لكن، وبموجب الحظ الأسود، فإن الدول يجري تدميرها وتحطيمها ليس بالحروب وحدها؛ فمن لم تدمّرالحرب بيته فإن دفع جزية المليارات هو الحرب الأتعس التي ظل بعضنا متورطاً فيها حتى بات أخيراً متفاخراً وسعيداً بأنه الواهب المعطي للإرادة الأكبر.
هذه أوهام دول جرى تصنيعها ليس لأدوار أكبر من هذه الأدوار القذرة التي ظلت تؤديها خلال عقود حتى انتهى بنا الحال إلى ما انتهينا إليه؛ أمة يجب أن تخرج من الحقبة النفطية وهي صفر اليدين.
إنها أمة ارتضت أن تكون السلطة فيها بأيدي جُهّالها، والقوة بأيدي جبنائها، والمال بأيدي مفسديها وخونتها.
هل بعد هذا من كوّة تفتح أعيننا على مستقبل آخر؟