في مواقع التواصل لم أجرّب سوى التواجد والتفاعل في فيسبوك.
انطلق بهذا الاقتصار على فيسبوك من موقف محافظ أرى بموجبه أن الطيران أكثر في هذا الفضاء له مضارّ محسوبة وأخرى غير محسوبة.
ولعل التفريط بالكثير من الوقت في سنوات سابقة هو المؤثر بالتزامي راهناً هذا الموقف المتمنع على مواقع التواصل؛
خسارات الماضي يراد تعويضها بالزهد بمغريات الحاضر، أحيانا أفكر هكذا.
مشكلة العمر لا تلقي بظلالها فقط على التقتير بخيارات التواصل والزهد بتنوعها والاكتفاء، تبعا لذلك، بفيسبوك.
العمر، وله نتائجه حتماً في التفكير والسلوك، يؤثر ويلقي بظلالٍ كثيفةٍ أخرى على الكيفية التي نتعامل بها في ميديا التواصل. فما هو متوقَّعٌ من شابٍ من حماسة التفاعل مع موضوعات معينة مما يثار في هذه الميديا قد لا يجد حماسةً مقابلة لدى متفاعلين آخرين من أجيال أقدم.
والعكس صحيح ايضاً.
الأمر نفسه يحصل في الحياة الواقعية، لكن في الحياة الافتراضية وتفاعلاتها تكون فسحة الحرية أكبر للتخلص من بعض تقييدات العمر والتجايل، وهذا ما يوقع أحيانا بإحراجات متبادلة، فالحرية لا تعمل بشكل منتج من طرف واحد؛ تتطلب الحريةُ شركاءَ متكافئين بحريّاتهم لتكونَ فاعلة ومنتجة ومستساغة وذلك كلما وضعت هذه الحرية بإطار الصلة بالآخرين والتفاعل معهم.
لا يمكن اختصار هذه المشكلات بالفوارق الجيلية؛ اختلافات العمر والتجايل هي أيضاً تعبير عن اختلافات ثقافية وتربوية، وهي تعبير عن اختلاف أنماط وتقاليد السلوك والتعامل بين البشر المختلفين. وهذا هو داعي مشكلات الصلة بين المختلفين جيلياً. الأعمار حاملٌ لتغيرات الوعي والسلوك والتربية والتقاليد.
المبدأ الأساس في فيسبوك هو حرية اختيار من تسمح لنفسك ولهم بالتفاعل المشترك.
لعل فيسبوك انطلق من هذا وكان هو دافعه الأساس للظهور ولقبوله ومن ثم لانتشاره.
لكن انتشاره هو ما جعل هذا المبدأ يتراجع ويتوارى مع تحول فيسبوك من وسيلة تواصل بين أصدقاء وزملاء وأقارب إلى وسيلة لتوسعة أعداد الأصدقاء والمعارف.
لم يعد فيسبوك وسيلة لاستعادة أصدقاء قدامى أو للحفاظ عليهم، لقد بات مناسبة لكسب أصدقاء جدد.
وهذه التوسعة هي ما وضعت حياة فيسبوك أمام تحديات التعايش بين المختلفين، وهي تحديات تفوق، بعض الأحيان، في صعوبتها تحديات التعايش في حياة الواقع، بل هي ما جعلت صداقات وأقارب ومعارف الواقع أمام امتحان أن تصمد أو تتعثر في حياتها الثانية، الحياة الافتراضية على مواقع التواصل.
جدلية نمو واتساع فيسبوك من جانب وتفاقم مشكلاته من الجانب الثاني هي تعبير عام عن مشكلات المتفاعلين وتوترها ما بين توسعة المعارف وبين تحديات هذه التوسعة.
في مثل هذه الحالات نشعر مرات بالقيمة الإيجابية للعزلة والنأي عن الآخرين، يحصل هذا في حياتنا الواقعية حين نشعر بالحاجة إلى عزلات مؤقتة وقد تطول، فلماذا لا نلجأ إليها في حياتنا الثانية في ميديا التواصل.
العزلة هي أيضاً شكل آخر من أشكال التواصل.