احتُلَّت الرمادي ومدنُ الأنبار الأخرى ومعها تكريت ومدن وقرى كثيرة من (صلاح الدين) وأُسقطت نينوى بمختلف مدنها..
كانت أياماً سوداً بمفاجآتها برغم أن مثل هذا الاحتلال كان متوقعاً، حين نستعيد ظروف تلك الأشهر فسيكون كل شيء واضحاً، والوضوح الأبرز هو المتمثل بأن كثيرا من الوقائع كانت توحي بإمكانية سقوط أو إسقاط هذه المدن..
أُسقطت هذه المدن الكبيرة، ومع سقوطها تضخمت الهواجس والتحسبات.
فبلا تخطيط أو تنظيم أخذ كثيرون من أبناء أحياء بغداد يهيؤون أنفسهم لقتال يمكن أن يبلغ حدَّ السلاح الأبيض، ولا خيار فيه سوى النصر أو النصر، لقد كان البغداديون شجعاناً.
آخر مايأتي ببال الشجاع في مواجهات المصير هو الموت.
الموت لم يرد في خاطر الشجعان، لذلك كان الخيار هو النصر أو النصر.
لقد حصل في جو شديد الالتباس؛ تشاركت فيه أكثر من إرادة قذرة لتهيئة الأجواء لإدخال داعش ولتتلبد هذه الأجواء بشائعات وادعاءات واتهامات وتخوينات كانت بمجملها تساعد على تشتيت الانتباه والاهتمام وصرف الأنظار عما يجب فعله في مثل هذا التحدي الخطير.
لقد ضاقت لحظتَها الأحوال واعتمت، وحينما تضيق يجب فتحَ كوّة بدل التخبط في الظلام.
لا بأس الآن في القول إن التحسب كان أكبر حتى من أحلام الدواعش المجرمين وما يمكن أن يخططوا له.
فقد تنظّمت شجاعةُ الناس في بغداد ومدن العراق الأخرى كتائبَ وسرايا وافواجاً وفرقاً وجيوشاً كانت ظهيراً لجيشهم الذي أُريد الطعن بكبريائه.
كانت إرادتهم سابقة، وكانت فتوى المرجع إطاراً جامعاً وحافزا للتنظيم والانطلاق من أجل التحرير.
من لم يقاتل بسلاح فقد قاتل بأكثر من سلاح؛ بالكلمة والرأي والصورة وبالدعم المادي والنفسي المؤازر للمضحين الباذلين دماءهم.
هكذا كنا معاً.
لقد كنا جميعا أمام نكبة، وكان الوقوف أولاً عند هذه الحقيقة مقدمة لابد منها للخروج من المحنة ليس بالنصر وحدة وإنما باستعادة الثقة بقواتنا وبالروح القتالية الشجاعة للعراقي حينما يكون بمواجهة هذه التحديات.
وهكذا كان المهم هو أن (نكبة) سقوط المدن بأيدي داعش كانت مناسبة لإعادة الحياة للجيش ولبنائه بما عزز ثقة أبطاله بأنفسهم وبمؤسستهم وبما عزز ثقتنا فيه.
يومها كتبت مقالاً ونشرته في (الصباح)، وكان عنوانه (جيشٌ تتبعه جيوش).
كنت أتحدث فيه عن (جيش العراق) وما تتبعه وتؤازره من جيوشٍ مقاتلوها هم كل أحرار العراقيين.
كانت الثقةُ بالنصر أكبر من الخشية من الانهيار.
وكيف لا يثق بالنصر من يحيا بين شعبٍ لا أكرم منه في صنع الجيوش إذا ما نادى المنادي وإذا ما ادلهمت الخطوب؟.