لعنوان الذي خرج به العدد الأخير من مجلة جون أفريك الفرنسية التي يقرأها باهتمام المغاربة (مثقفوهم بشكل خاص) كان صادما للمغاربة أنفسهم وهو يقول: الإرهاب وُلد في المغرب. كان العنوان بهذا الإطلاق مرتكزاً على أن العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا خلال الأشهر الأخيرة نفذها شبانٌ من أصل مغربي، كان بعض منهم قد جاء من المغرب فيما ولد بعضهم الآخر في بلدان أوروبية.
(جون أفريك) مجلة رصينة، وربما كان هذا هو داعي صدمة المغاربة، لكن المجلة تضيف بمثل ذلك الإطلاق تعمية أخرى إلى التعميات المتكاثرة أمام الأوروبيين حين يريدون التعليق على الإرهاب ودواعيه وآثاره وسبل التخلص منه، وهي تعميات يبدو أنها لا تريد فعلاً تفكيراً ونتائج أكثر جدية بشأن الإرهاب.
من الصحيح أن الإرهاب يمكن أن يكون قد بقي كامناً في نصوص كتب فقهية قديمة، وفي تفسيرات واجتهادات دينية متشددة، كثير منها قديم، لكن الاستنهاض المعاصر (خلال القرنين التاسع عشر والعشرين) لنزعة التشدد في التفسير والتأويل وإطلاق الأحكام هو المرجع النظري المباشر الذي يشكل أساس فكر الإرهاب والتطرف العنيف.
وهذا الاستنهاض المعاصر كانت مهاده في أماكن أخرى سوى المكان المغربي الذي كان وما زال محكوماً بشكل أساس بالمذهب المالكي وبانفتاح رسمي على أنماط تصوفية تساعد في تشذيب البيئة المتدينة من نزعات التشدد والجنوح العنفي.
لكن المغرب تشهد ومنذ عقود نشاطاً وافداً ومتناميا لفكر التطرف والتكفير، وهو نشاط يتغذى على الفقر والحاجة. مثل هذا النشاط كان ناشطاً أيضاً في أماكن تواجد الجاليات العربية المسلمة في الغرب الأوروبي، وكان شبان المغرب وبعض بلدان شمال أفريقيا هم المستهدفون الأساسيون لهذا النشاط المدعوم بقوة المال والمستثمر لحاجات الفقراء إليه.
بينما العمل والتثقيف والتجنيد الإرهابي هو شأن آخر أكبر من عملية التهيئة الفكرية العقائدية. إن قِدَم أفكار التطرف والتشدد والتكفير في التراث الفقهي وعدم تحولها إلى قوة منظَّمة وحية وفاعلة، كما هو الحال في العقود الأخيرة، يؤكدان أن مجرد الأفكار وحدها، حتى مع أهميتها وخطورتها، ليست هي الفاعل الوحيد في تشكّل الإرهاب بالتنظيم والنشاط الذي هو عليه الآن.
ما لا يجري النظر فيه، كلما أُريد دراسة ظاهرة الإرهاب، هو أدوار السياسة والإستخبارات في تشكل الظاهرة وتغذيتها وتوجيهها وتهيئة أسباب عملها وقوتها ومنعتها.
من السخف تصوّر أن قوى الإرهاب أشباح تتحرك غير مرئية على الأرض وفي فضاء الكوكب بطوله وعرضه. يحصل هذا التصوّر بموازاة التطورات التقنية الهائلة التي تجعل كل شيء على الأرض شفافا، إنما فقط حين يراد له أن يكون شفافا ومرئيا ومفضوحا.
شبان المغرب المتورطون بالإرهاب مُستَثمَرون؛ قوة عمالة فقيرة معروضة للبيع والشراء، قوة يأس مندحر. اليأس لا ينتهي، تقليص مساحاته ممكن، لكن عليك البحث عمن يستثمر اليأس بمثل هذه الاستثمارات القاتلة.
حين يكون هناك قتلة فإن القبض عليهم مهم لكن الأهم هو البحث عن مستثمر القتل.