منطق العقل يؤكد أن الجميع متأكد من استنفاد استفتاء سلطات إقليم كردستان العراق لجميع أهدافه المعلنة.
الاستفتاء الذي أُجري بظروف لا تؤهله ليكون معتدا به في قضية بخطورة قضية انفصال إقليم عن دولة كان يعبر بهذا عن لا جدية التخطيط له والإنفاق من أجله وتوتير الأجواء به.
لكن الاستفتاء أُجري، وحال اجرائه صار واضحاً أنه استنفد تماماً أغراضه كلها. لا يمكن انفصال محافظات الإقليم عن البلد الأم. هذه هي الخلاصة. الأسباب أكبر من أن يجري حصرها.
وخسائر أية مغامرة باتجاه الإنفصال ستكون كارثية وذلك قبل أن ينتهي دعاة الانفصال من فكرة الانفصال. هذا ما تعرفه سلطات الإقليم أكثر من سواها.
لكن هذه السلطات لا تريد أن تتقدم بخطوات عملية مفيدة باتجاه ترميم الشروخ المرعبة التي أحدثها استفتاء الانفصال.
قبل يوم الاستفتاء كتبت أن الوضع بعد الاستفتاء لن يكون كما كان عليه قبل الاستفتاء؛ حواجز في الحوار وغياب للثقة وانعدام للتفاهم، كل هذه مشكلات نفسية لن يكون من اليسير التغلب عليها في هذه الأجواء المسمومة والملبدة باحتمالات خطيرة. لقد احتاج الإقدام على الاستفتاء إلى الكثير من الزهد والاستغناء عن العقل السياسي، بينما ترميم الخروج من مأزق الاستفتاء يتطلب الكثير من الشجاعة الأخلاقية والسياسية.
هذه الشجاعة يظل العراقيون، كرداً وعرباً، ينتظرونها من سلطة الإقليم لتقويم ما حصل ولغلق الثقوب السوداء الآخذة بالاتساع ما بين تلك السلطات والحكومة الاتحادية. كما يظل العراقيون ينتظرون من الحكومة الاتحادية مواصلة تسهيل اتخاذ ما مطلوب من قبل سلطة الإقليم، وفي المقدمة من ذلك طي صفحة الاستفتاء والنظر بمسؤولية إلى مستقبل التعايش الوطني.
لقد تأخرت الحكومات الاتحادية المتعاقبة كثيراً في اجراءات تنظيم الصلات على مختلف المستويات الأمنية والإقتصادية والمالية والقضائية بينها وبين سلطات الإقليم، وكان الداعي لكل هذا التأخير هو تغليب الصلة والمصالح السياسية على ما هو دستوري وما يساعد على صلة واضحة وسليمة بين سلطات الدولة الاتحادية وبين مؤسسات الدولة في إقليم كردستان.
يمكن القول إن هذا التأخير كان واحدا من دواعي هشاشة تلك الصلة، وبهذا يتحمل المسؤولون عن التأخير في ذلك جانبا من عواقب ما نجم عن التأخير وما انتهى إليه من فكرة الاستفتاء القافزة على الدستور أولا وعلى مصالح المواطنين العراقيين الكرد وعموم العراقيين الآخرين ثانياً.
يمكن للانتهاء من هذا الوضع المحرج أن يكون مناسبة لتنظيم الصلة على أسس تحترم وتراعي مصالح العراقيين جميعا بعدالة وكرامة تضمن حسن التعايش وعدم شعور أي طرف بالغبن والظلم. التردد في ترميم ما حصل، ورفع وتيرة التهييج، والمغالاة في تبشيع الآخر، لا يضمن أية مصلحة لأي طرف سياسي، لكنه من الممكن أن يفاقم المشكلات ويزيد مصادر التهديد.
لم يعد الجمر تحت الرماد.
صبّوا المياه على الجمر قبل أن تكنسوا الرماد.