لم تعد العناوين العامة في البرامج الانتخابية مثار اهتمام الناخب.
إنه يعرف أكثر من السياسيين ما هي مشكلاته وما هي مشكلات الدولة، وما هي دواعي الخراب، لكنه ينتظر حلولاً جدية ومقنعة لوقف هذه التداعيات.
وقف التداعيات، بالنسبة للناخب، أهم الآن من الكلام الفضفاض عن إمكانية التقدم.
وهذه التداعيات مقترنة بتشريعات وقوانين جرى تشريعها وإقرارها، وبتشريعات وقوانين أخرى ظلت غائبة.
هناك أزمة ثقة مستفحلة بين المواطنين وبين الطبقة السياسية النافذة، حتى باتت كلمة (سياسي) قرينة بما يدعو للخجل.
ترتبت على هذه الأزمة شكوك قائمة على سوء الظن بأي شخص إذا ما فكّر لأن يرشّح ليكون في الكابينة التشريعية أو التنفيذية.
سوء الظن هذا راكمته تشريعات وامتيازات غير معقولة للمسؤولين البرلمانيين والحكوميين.
وكان أتعس ما بهذا الحال الشاذ، وحتى غير الإنساني، أن يكون المشرّعون هم من يشرّع امتيازاتهم لأنفسهم.
وهذا حال لم يحصل في أي نظام سياسي ديمقراطي وعادل.
لكن يمكن مثل هذا أن يحصل، يمكن للبرلمان أن يشرع امتيازا ما معقولا لأعضائه، إنما فقط حين يكون مثل هذا التشريع يلتزم بأن لا يجري تنفيذه إلا بعد دورة كاملة يحتمل معها أن يتغير معها المشرعون ولا يكونون في المشهد البرلماني.
لقد تمادت الشراهة حتى بلغ الهزءُ بعقلياتِ المواطنين حدّاً أن تظهر سيدة برلمانية وتحكي في التلفزيون بكل صلافة عن مظالمها وعن راتبها وامتيازاتها التي لا تسد مصاريفها لنصف شهر.
إلى أي مدى يبلغ السخف بعد هذه الصلافة فيما هناك ملايين يحلمون بأن يدخل بيوتهم حتى أقل من عُشر ما تتقاضاه هذه السيدة؟
هذه مشكلة جذرية، يمكن لقائمة انتخابية التعبير عن نزاهتها ومسؤوليتها بأن تقدّم برنامجها وقد تصدّره وعدٌ بالانتهاء من هذا الوضع الشاذ على أن يقترن الوعد بمقترح تشريع بديل واضح وعادل بحيث لا يكون معه التنافس الانتخابي على السلطة التشريعية مثار شبهة وسوء ظن بالمطامح والشهوات.
أيّ مشكلة هذه التي يكون فيها الوجود ومحاولة الوجود في البرلمان، وهو بيت الديمقراطية الأول، داعياً لخوف أي شخص يحرص على سمعته وكرامته من التورط بالترشّح؟
قد يزعج هذا الكلام البرلمانيين ومَن يرغبون في أن يكونوا بالبرلمان؛
لكننا في حال لابد معه من تقبّل الإزعاج، لابد من تحمّل صدمة المواجهة وقسوتها.
حين لا يقوى برلماني على غلق عينيه عن الطمع فإنه لا يستطيع فتحهما للقيام بدوره الرقابي.
نزاهةُ البرلماني تنزيهٌ لدوره الرقابي حتى لا يكون هذا الدور عرضة للشكِّ بكونه مستغَلاً لابتزاز آخرين مفسدين في السلطة التنفيذية لتقاسم مغانم الفساد.
الشكوك ستظل تتعاظم، وتكون مبررة، كلما استفحل التعتيم على مصادر المعلومات.
حين تكون ذا سلطة وتغلق خزانة معلوماتك فلا تتذمر من أيِّ شك وسوء ظن يرميك المواطن به.