لم التقِ بجمعة الحلفي في بغداد السبعينيات لكنني التقيت به في بغداد ما بعد 2003.
إنه واحد من شعرائنا وصحفيينا الذين أتيحت لهم فرصة العودة، وكنا نتمنى لو أنها أتيحت وتتاح لجميع زملائنا الذين نحتاج إليهم. أسهم جمعة بما يستطيع في تأسيس شبكة الإعلام، حتى كان رئيساً لتحرير الصباح، وأخيراً رئيساً لتحرير مجلة الشبكة.
وفي المجالين كان جمعة الحلفي مثابراً من أجل خلق إعلام جديد مهني وحر وحيوي في اختصار الخبرات وتطويرها والتقدّم، من ثمّ، بالمطبوع الصحفي وسط ظروف ليست دائماً تساعد على التقدم والتطوير.
مرات قليلة التقينا فينا، لكنّ مراتٍ أكثرَ منها كان ما بيننا من التواصل ما ظل جمعة يؤكد خلاله الحرص على ضرورة الإسهام بعمل شيء من أجل خلق عراق ديمقراطي وحر ومستقل.
لم يكن من مجال للإسهام في ذلك سوى الإعلام، وهو ما خبره جمعة الحلفي لسنوات كثيرة. وهذا ليس بالقليل؛ صناعة إعلام حر في دولة تريد أن تكون ديمقراطية هو من المقدّمات الأساسيّة التي لابد منها لتكتمل مقوماتُ مؤسساتِ العمل الديمقراطي في هذه الدولة.
في المرّات القليلة التي التقينا فيها كانت المصاعب والتحديّات هي محور أحاديثنا، وكانت الخلاصة تنتهي دائماً إلى ضرورة العمل ومواجهة التحديّات بما يخفف عبئَها لا بما يفاقمها.
سماحة جمعة الحلفي، وكرمُ سجاياه الأخلاقية كانتا تساعدانه على أن يكون موضعَ احترامِ وتقدير كلِّ من يعرفه عن قرب.
وكان هذا مما يعينه على أن يكون محط محبة وتقدير جميع الزملاء الذين عملوا معه سواء في الجريدة أولاً أو في المجلة أخيراً وما بينهما في مجالات صحفيّة أخرى عمل فيها بإخلاص منطلقاً من الشعور بالمسؤوليّة ذاته إزاء بلده وشعبه.
وحين كان يجري التدافع بالمناكب، وبغيرها، من أجل انتزاع الفرص و(الاستحواذ) على الأماكن، وكان الإعلام في القلب من الأماكن المستهدفة بهذا، لم يُعرف عن جمعة الحلفي سوى ترفّعه على الصراعِ الدامي، معنوياً وجسدياً، والنأي بالنفسِ وكرامتِها وخبرتِها عن غبار تلك المعارك.
الخبرةُ التي يمتلكها وعفّة النفس والضمير كانا هما ما يأتيان بجمعة إلى حيث ينبغي أن يكون.
لم يوسّخ لسانه يوماً، طيلة لقاءاتنا، بكلام سيّئ حتى ضد من أساؤوا له، سواء مَن كان منطلقاً منهم عن نقصٍ في المعلومات أو مَن كان محكوماً بسوء النية المسبق.
لقد هذّب الشعرُ من جانب، والتربية الوطنية الإنسانية والأخلاقية، من جانب آخر، الكثير من طبيعة شخصية جمعة الحلفي حتى ظفر بما ظفر به من محبة الجميع.
رقّته في الشعر وتمدّنُه فيه لا يضارعمها سوى سلوكه الثقافي والمدني، وسوى هذه الرقّة الناعمة التي مرّ بها على هذه الحياة بكلِّ سلام وهدوء.
لترقد روحك، ياجمعة، باطمئنان.
دمتَ، وأنتَ في مثواك، هانئاً بدوامِ ضوءِ ذكرِك الطيب.
سلاماً، أخي أبا زينة.