الأصل القومي لعيد نوروز لم يمنع عموم العراقيين من الاحتفال بهذه المناسبة.
وأعتقد أن الشعر العربي القديم مرّ كثيراً على ذكر نوروز، وكان هذا المرور قرين الربيع وإشراق الحياة واخضرار الشجر.
وحتى حينما أقرت حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، ولأول مرة، اعتبار يوم نوروز عطلة رسمية، فقد ربطت ما بين العيد والشجرة، فكان على العراقيين أن يزرع كل منهم
شجرة.
مع السنوات أهملت الشجرة، لكن من حسن الحظ بقي الاحتفال بنوروز.
لم ينفع قرار الزعيم، ولم ينفع قرار ثمانيني بعدم منح إجازة بناء لبيت في بغداد ما لم يتضمن البيت حديقة وتتضمن الحديقة شجرة نخل أو زيتونة أو ليمون.
ضاقت البيوت بساكنيها فجرى التهام الحدائق واستبدالها بالطابوق والإسمنت.
الليمون والزيتون في بغداد يكادان يختفيان
بينما النخل ليس أحسن حالاً..
هذه أخطاء حكومات وليست أخطاء مواطنين.
الحكومات تفشل في سياساتها الإسكانية فتلجئ الناس إلى الخطأ.
مقابل هذا يجب ذكر أن تشجير الجزرات الوسطية ما بين الشوارع شهد اهتماما طيبا خلال السنوات الأخيرة، لكن الحدائق العامة في الساحات الصغيرة المخصصة لها في الأحياء تكاد تختفي، وربما اختفت نهائياً.
ما موجود منها لا يشكل قيمة بالقياس إلى ما كان قد جاء في تصاميم الأحياء البغدادية، خصوصا تلك التي أنشئت في سنوات الأزمات والحروب وسوء الاهتمام بالمدينة منذ الثمانينيات وحتى الآن.
فقد كانت هذه مشكلة تعود إلى عقود سابقة.
كانت التصاميم تتضمن الحدائق بينما تظل المساحات المخصصة للحدائق المصممة جرداء، وأحياناً تستغل ككراج لسيارات السكان، مما يلجئ الناس او السلطات البلدية إلى إكسائها لتناسب وظيفتها البديلة.
لكن الوظيفة البديلة الأسوأ هي حين تتحول الساحات والحدائق، إذا ما أُهملت، إلى مكبات لنفايات السكان.
ليس من المعقول إلقاء اللوم دائماً على السكان.
لا أحد يتشجع ليسيئ استخدام حديقة عامرة وتحظى بحد أدنى من اهتمام البلديات.
قد تردّ أمانة بغداد فأستطيع أن أحيلها إلى حديقة ظلت عامرة حتى الآن في واحد من أفقر أحياء بغداد، في قطاع في آخر مدينة الصدر، قطاع 33.
الناس هم نفس الناس الذين كانوا يقتطعون مساحة من سكنهم ليزرعوها ويهتموا بها.
اليائس منا سيرد بالقول إن الناس تغيرت.
لكن لمن تعمل الآن المشاتل، وهي تتكاثر ببغداد، إن كان المواطن لا يعبأ بالزرع والخضرة؟
هل تستطيع الأمانة أن تقدم لنا إحصائية بعدد المشاتل في أي عقد سابق وتقارنها بما موجود منها الآن؟
كل مقارنة ستؤكد أن أعداد المشتل تضاعف مرات كثيرة بما يؤكد أنها خلقت سوقاً، ولا سوق بلا ناس.
عمل الأمانة متكامل مع بعضه.. وجود مساحات خضراء يحفّز على النظافة وعلى إسهام الأهالي بإدامة الجمال وصونه.
يحصل كل هذا فيما ضرائب وغرامات الأمانة ترتفع، ومداخيلها تزداد، بينما هي تقلّص من مساحة مسؤوليتها عن نظافة بغداد وجمالها.