كانت (المزبلة) موضوعاً تكرر كثيراً خلال هذه الأيام والأشهر والسنوات.
تكرر في أحاديث، وهذا متوقعٌ ومعتاد، وتكرر في مشاهدة وقائع ويوميات نصادف خلالها مزابل كثيرة، تلالاً ترتفع حيناً، ومرميّات في الشوارع والأزقة والساحات حيناً آخر، وهذا أكثر اعتياداً وتوقعاً من ذاك.
سوى هذا هناك مزابل كثيرة غير مفكّر بها، لكنها تظل مزابل، من حيث قدرة التعبير اللغوي على تمثيلها، أو من حيث طبيعتها، الفعلية، كمزابل حقيقية؛ مزابل الكلام مثلاً، فائض الكلام الذي لا قيمة له مما يرمى في الهواء فيلوّثه، ومزابل مشاعر، ووعود، كثير منها زائفة، وتصادف أن يجري التعبير عنها بزيف أكبر، فتتلقفها أسماع لترمي بها مباشرةً بين ما يرمى كزبالة.
الحواس هي ما تصطدم بالأشياء، وهي ما يقرر ما إذا كانت ثمينة تستحق الحفظ أو تافهة، مما يرمى كزُبالة لا موضع لها سوى المكان الذي تكون فيه، المزابل.
هل الحياة ممكنة إذا ما تعطلت الحواس جميعها دفعة واحدة؟
الإجابة غير مهمة.
لكن الحياة، حياة الفرد والجماعة، تدفع أثماناً باهظة جرّاء عمل الحواس؛ نرى ما لانريد أن نراه، ونسمع ونشم وقد نتذوق ونلامس ما لا نريد. هذه بعض التوازنات اللازمة لاستمرار الحياة.
إذ يمكن للإحساس بما لا نريد أن يكون مفيداً بتحاشي ما لا يُراد وبالنأي عنه أو إبعاده عن حياتنا.
في التاريخ، وبين أسطر الكتب، الكثير من الزبالة.
تفتح كتاباً ما فتجد أحمالاً من الوقائع المحنَّطة في أسطر الكتب وما بين الأسطر، في ما يسميه التعبير الدارج بـ (مزبلة التاريخ)، إنها أحمال ميّتة لكن نتانتها ما تزال تزكم الأنوف؛ دماً، وكراهية، ومكائد، وتشويهاً، ودماراً.
هناك من يهمّه أن يهيض تلك الأزبال ليجد ضالته فيها، لكن أتعس الأزبال وأكثرها مباشرة ما نصادفه أمامنا، في الواقع وحياتنا اليومية.
لقد توقفت قبل يومين مثلاً عند لوحتين إعلانيتين كبيرتين لاثنين من المرشحين؛ أحدهما حالياً بالحكومة والآخر بالبرلمان.
وكلاهما من كتلتين مختلفتين.
كان يمكن أن لا أنتبه للوحتين وصاحبيهما، حالهما حال عشرات الآلاف من وسائل الدعاية مما نصادفه هذه الأيام، لكن راعني المكان الذي وضعت فيه اللوحتان، وراعني أكثر أن يكونا لمرشحين ليسا جديدين على الترشّح ولا على الفوز.
اللوحتان تنتصبان وتحت كلٍّ منهما أكوامٌ كبيرة من القمامة.
ضحكت وانشغلت لوهلة بالتفكير: كيف لمن لا يعرف أين يضع لوحته الإعلانية أن يجرؤ ويرشّح لانتخابات؟
الأزبال ممكن أن تكون مفيدة لمرشح جديد، يمكنه وضع لوحته الإعلانية فوق ركام الأزبال والنفايات، وسيُفهم هذا على أنه احتجاج على حال تفاقم القمامة ووعده بالتخلص منها.
وليس قليلاً إذا ما نجح أيُّ مرشح بتخليصنا من الأزبال بمختلف مظاهرها.
لكن ماذا يريد أن يقول برلماني أو تنفيذي حالي وهو يضع لوحته الانتخابية على كومة نفايات؟