على واجهة جدارية واسعة بسجن آباك البرازيلي خُطّت عبارة كيرة تقول:
(لا أحد يفرّ من الحب).
والحبّ هو ما يجعل العالم أشد ألفة، وهو ما يهب المحبَّ جناحين ويمنحه فرصة الطيران.
فكرة الطيران هي الأكثر حضوراً كلما تقيّدت حريةٌ، وكلما ضاق إنسان بمكانٍ، وما أضيق السجون مهما رحبت.
يريد هذا السجن البرازيلي أن يكون مسهماً في زيادة مساحة الحب في العالم وبين مجتمع من البشر غالباً ما يجري تصنيفهم على أن الحب لن يرد في اهتماماتهم وإن ورد ففي المقام الأخير من هذه الاهتمامات، إنه مجتمع سجناء قادمين من عالم الجريمة بمختلف مستوياتها.
لكن الحب يظل صفة إنسانية هي نتاج الحاجة، حاجة المرء إلى الآخر.
أكبر المجرمين الذين مروا على الكوكب وتاريخ البشرية كانوا في جانب من حيواتهم يمرون بالحب.
قصة هتلر وإيفا براون أشهر من أن تحتاج إلى التذكير بها في هذا المجال.
الذين يمرون بسجن آباك البرازيلي ليسوا من نمط هتلر، وليسوا من عتاة المجرمين، إنهم بشرٌ تدفع بهم أخطاؤهم، وربما أخطاء ظروفهم، إلى السجون التقليدية.
لكن في البرازيل سيحتاج مثل هؤلاء إلى فترة مناسبة من الإقامة في هذه السجون التقليدية، قبل ان يتحول بعضهم بعدها إلى سجن آباك، ليكملوا ما تبقى من محكومياتهم بعد ما يبدونه من سلوك حسن.
في العالم المعاصر باتت بلدان التحضر تتنافس في إظهار جانب من ملامح رقيّها وذلك من خلال رقي سجونها، وهكذا ففي سجن آباك لن يصادف السجين حرساً ولا أسلحة.
إنه سجن يرفع شعار (لا أحد يفرّ من الحب)، وهو فردوس مقارنة بسجون البرازيل الأخرى القاسية والمكتظة بالنزلاء وبالأعمال الشاقة، لكن السجن يظل سجناً حتى وإن كان فردوساً.
رقيّ بعض السجون، وفي أحيان كثيرة، يظل يخفي وراءه بشاعات سجون أخرى حتى في أحسن أحوال البلدان ورقيها.
في سجن آباك قسمان منفصلان للرجال والنساء، ويشجع القائمون على السجن، وهم من منظمة غير حكومية، على إمكانية التواصل ما بين القسمين من خلال الرسائل.
وكان هذا التحفيز واحداً من دوافع رفع شعار آباك (لا أحد يفرّ من الحب)، مع هذا فإن الحب يظل قرين الحرية والطيران الحر.
في الحرب، وهي أتعس السجون المفتوحة، كان معنا جنديٌّ، وكان هذا الشاب دائما ما يجمع طيوراً صغيرة كلما وجدها بمواضع وحيدة بلا أم.. كان يطعمها ويربيها، وما إن تبدأ بتعليم الطيران حتى يفتح لها باب قفصها ويطلقها حرة في الفضاء.
لم يقص يوما جناح طير.
كان يقول: كيف لسجين مثلنا أن يسجن طيراً؟
وكان للقدر أن كافأه يوماً إنما بمقايضة اشترى بموجبها جناح حريته مقابل قدم بترت.
بقيت القدم سجينةً في الأرض الحرام ومضى الشاب إلى حيث حريته.