لا أدري ما إذا كان البرلمان يحترم العربية (اللغة طبعاً) بحيث تسمح ظروفه بتصويب قانون الأحزاب قبل إعادة التصويت على نسخة جديدة منه مصوَّبة، أم أنه لا ينشغل بـ (كماليات) اللغة فلا يصوّب ولا يعيد تصويتاً، وقد يصوّب ولا يجد ضرورة لإعادة التصويت.
حسناً سأغض الطرف عن عشرات أخطاء اللغة، تعبيراً ونحواً واملاءً، التي اعترت القانون وشوهت صياغاته وبما جعلت منه وثيقة ركيكة في أهون توصيف، فلا يعتد بها قانونياً، ولنطالع هذه الفقرة التي بالتأكيد لا تعني ما جاء بها..
إنها فقرة قانونية وقعت ضحية (لا نافية) جاءت زائدة فغيّرت المعنى مئة وثمانين درجة. خذ هذه الفقرة رابعاً من المادة 8 من نص قانون الأحزاب السياسية والتي تقول:
(أن لا يكون من بين مؤسسي الحزب اوالتنظيم السياسي أو قياداته أو أعضائه من ثبت بحكم بات قيامه بالدعوة أو المشاركة للترويج بأية طريقة من طرق العلانية لأفكار لا تتعارض مع احكام الدستور)، ولاحظ كيف أن (لا) في (لا تتعارض مع أحكام الدستور) تقلب المعنى وتعطي معنى مضاداً تماماً، وهو غير ما كان يريده المشرع بكل تأكيد.
سيكون أمراً مخجلاً أن نسأل العديد من أعضاء البرلمان من حقوقيين وحاملي شهادات علوم سياسية عن مدى جدية تحصيلهم العلمي من جامعاتهم حين يمر من بينهم نص قانوني بمثل هذا الهزال.
لا ينبغي التهوين من كارثة أخطاء اللغة التي لا تسمح مساحة العمود بإدراجها كلها، أن تنصب مرفوعاً (يرأسها موظف بدرجة مدير عام من ذوي الخبرة والنزاهة والاختصاص حاصلا على شهادة)، أو ترفع منصوبا (أن يكون حاصل على شهادة جامعية) أو تنصب مجروراً (قيامه بنشاط ذا طابع عسكري) أو تجر مرفوعاً (بمن فيهم أعضاء الهيئة المؤسسة والمنتمين) فهذه كلها مما يندى لها جبين اللغة والتشريع والقضاء.
هذا القانون هو مثال لسواه من القوانين التي يجري تشريعها دونما أدنى التزام بمعايير السلامة والدقة اللغوية.
في كلية القانون عندنا، في عهودها الأولى، كان التأكيد على سلامة لغة المتخرج مبدأً أساساً.
وفي الأدب يحضر دائماً مثال عقد شايلوك في مسرحية “تاجر البندقية “كنموذج لضعف الصياغة اللغوية وإمكانية التحايل عليها.
ثمة أخطاء أخرى بالعشرات تجعل الصياغات لا ترقى إلى مستوى تأهيل طالب إعدادي باللغة والأسلوب، وهي أخطاءٌ تعفّ النفس عن إعادتها هنا وتلويث الجريدة بها.
لا مانع من وضعها أمام مجلس النواب بها إن أراد المجلس الموقر تزويده بها.
هذا العمود لم يتوقف عند قانونية الصياغات ومدى دقتها وإمكانية تأويلها وكرمها بتقديم أكثر من معنى.
هذا شأن آخر أتوقع أن ينبري قانونيون (بطرانون) مثلي ليفصلوا فيه، والقانون سخي تماما في توفيره ما يعينهم في الوقوف على سوء الصياغات ولا مهنيتها.