زارني قبل أيام في بيتي شاعر شاب لم يسبق أن التقيته أو قرأت له. كان معه ديوان شعر يريد دفعه للنشر، وكان قبل هذا يريد رأيا في شعر هذا الديوان. لم يسع إلى رأي سريع؛ كان قلقا، وكان ما يقلقه طيلة اللقاء وفي أثناء معظم الحديث بيننا، ما إذا كانت أصوات شعراء آخرين قد تسللت إلى نصوصه وتداخلت مع صوته هو، مستدركا بتواضعٍ دائماً بالقول:
إن كان لي صوت طبعا.
في الشعر لا يكون التنازل عن الصوت الشخصي بمجرد تقليد التعبير واستعارة تقنيات الكتابة من آخرين.
الأفكار عن الشعر، كما تفصح عنها نصوص الشعر، هي أيضا لا تقل ضرراً عن تلك الاستعارات. الشعر الجيد مغر ويسهم في صياغة أفكار وقسمات وجوه الشعراء الجدد التعبيرية. معظم من ينتجون (شعرا) هم ضحايا تلك الاغراءات والأفكار حتى وإن لم (يعرفوها) بوضوح أساساً. جميع المقلَدين الشعريين هم أسرى فكر ورؤى آخرين جاذبين، بينما ندرة من الشعراء فقط هي التي تستطيع التحرر من قوى جذب الأسلاف أو المعاصرين.
في مرحلة مبكرة قد يبدأ معظم الشعراء تجاربهم خاضعين لسطوة نماذج يحبونها فتفتنهم، لكن التقدم في التجربة يمحو الكثير من ظلال الافتتان إذا ما توفرت الإرادة والمهارة. ولعل قلق ضيفي الشاعر الشاب هيأ ويهيئ له فرصا أيسر لتحرير صوته. في السبعينيات كتب الناقد فاضل ثامر مقالا عن الشعراء الشباب حينها فوضعهم فيه بين طوقي (أدونيس) و(سعدي يوسف).
حظي المقال أوان نشره بشهرة، وبدا كما لو أنه قانون غير قابل للمس، كانت الوقائع تعضده. لكن تقدم تجارب بعض من أولئك الشبان في ما بعد وفرادة نصوصهم هما ما جعلا من المقال شيئاً من ذكرى ومن تاريخ.