غالباً ما يتحدث العراقيون عما كان قد رصد وأُهدر من أموال خصصت لإعادة الحياة إلى الكهرباء التي لم تعد حتى الآن.
الكهرباء حاجة ملحة على مدار كل أيام السنة وخلال الساعات الأربع والعشرين يومياً، وهي بهذا الأكثر إثارة للانتباه وللمراقبة ناهيك عن أن مشكلة الكهرباء تكاد تكون المشكلة الأساس في انهيار النظام الخدمي والصناعي في البلد، وهي المسؤولة، صدقا وكذباً، عن عدد كبير من الحرائق التي حصلت في بغداد والمحافظات والتي أهدرت ملايين الدولارات من المواطنين وليس من معوِّض إلا الله.
لكن حجم المهدور، عبثاً وفساداً، من أموال على الكهرباء لا يوجب الصمت على مليارات أخرى أنفقت خلال السنوات الماضية ما بعد 2003 على أمانة بغداد.
الأمانة التي لها مصادر إيراد كثيرة ومتنوعة تمتّعت أيضاً بميزانيات جبارة قيل إنها إكراماً لبغداد أم العراقيينكلهم.
الأموال أُنفقت ومعها ظلت صورة بغداد تتراجع بينما ازدادت الخدمات سوءاً.
ومع هذا الإخفاق المتواصل في تقديم حتى الحد الأدنى المقبول من الخدمات لبغداد وللبغداديين يحق التساؤل عن تلك الأموال، فالأمانة ما زالت حتى الآن لا تتمتع بأية شفافية يمكن من خلالها التعرف على الموارد وأوجه الإنفاق التي أُتلفت بموجبها المليارات ولكن نحو مزيد من التخريب والتشويه.
فشل أمانة بغداد كان دائماً منتجاً جيداً لمشكلات خدمية.
العام ما قبل الماضي شهدنا غرق الكثير من أحياء العاصمة، وكما هو الحال دائماً فإن الفساد بدلاً من أن يُساءَل ويحاسَب فإنه استثمر محنة غرق الأحياء ليحصل على تخصيصات غير قليلة لتفادي غرق بغداد ثانيةً. والآن هل من أحد يحاسب الذين تعاقدوا والذين جرى التعاقد معهم عن هذا المصير المخزي الذي انتهت إليه الأموال المرصودة؟
واقعاً بات العراقيون يرددون قولاً يعبر عن أسوأ حالات يأسهم من امكانية الصلاح والإصلاح حين يعبرون عن كرمهم وسخائهم على المفسدين بالقول: وافقنا على أن تسرقوا ولكن انصفونا.. أعملوا شيئا واضحا ومفيداً واسرقوا مقابله ما تشاؤون.
يتجاهل هذا القول أن منظومة الفساد، وقد اطمأنت ولم يعد يقلقها أي رادع، صارت من الشراهة بحيث تستغل الأزمة الناتجة عن فساد واضح من أجل استثمارها لفساد آخر. هذه المحنة التي عاشها البغداديون مع المطر لن تجد من يحاسب عن مصير الملايين التي أُنفقت، لكنها ستجد من يخطط ويعمل ويضغط من أجل مزيد من التخصيصات لصيانة المجاري وستذهب هذه التخصيصات ليس لصالح حلول تنهي المشكلة وإنما لخلق مشكلات جديدة توفر (رزقاً) جديدا لفساد جديد.
بالمناسبة ما زال كثير من البغداديين يمرون يوميا بقناة الجيش وقد ازدادت خراباً بفعل المليارات التي رصدت لتحويلها إلى منتجع سياحي ليس لنا منه سوى صور متخيلة كان التلفزيون وشطّار الأمانة قد عرضوها لنا.