كتابة / كوري فلينتوف
كانت الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا التي ولدت في العام 1889 وتوفيت عام 1966 رمزا لشجاعة المرأة الروسية في مواجهة القمع خلال العهد السوفيتي السابق، أعمالها الآن تلقى اهتماما متجددا في روسيا التي سبق وأن أهملتها وكادت أن تنساها إلى الأبد. فهناك موجة من الاهتمام في أعمالها التي شهد القرن العشرين المنصرم تفجر طاقاتها الإبداعية ليس في روسيا وحدها بل تعداها إلى قارة أمريكا الشمالية، فقد ألهمت تلك الأعمال الشعرية أحدى الفنانات التي تسكن بعيدا عن روسيا في أمريكا وهي المغنية وكاتبة الأغاني ايريس سنلي والتي لديها ابنة بالتبني من روسيا ضمت بعض أعمال الشاعرة إلى ألبومها الموسيقى الجديد وهي من القصائد غير المطروقة والتي يجهل القارئ الغربي الكثير عنها. أخماتوفا التي ولدت في روسيا كانت قد شهدت السنوات المضطربة من الثورة الروسية وعاشت ويلات قمع جوزيف ستالين ونجت منها بفضل شجاعتها وصبرها، وهي من خلال الشقة التي سكنتها في سان بطرسبرج حيث عاشت لنحو 30 عاما يمكن أن نتعرف كيف كانت حياتها وكيف كانت تكتب حيث جعلتها الآن بلدية المدينة متحفا لها تشير دليلته ماريا نسنكوفا أنها احتوت على العديد من تذكاراتها التي ضمت لوحات فنية ورسائل كتبت من خلالها إصرارها على مواجهة الاضطهاد الوحشي خلال تلك الحقبة السوفيتية. المبنى هو في الواقع جناح واحد من القصور الأكثر جمالا في سان بطرسبرج حيث سكنته أخماتوفا التي تعود أصولها إلى الأرستقراطية الروسية القديمة وقد عرف القصر ما قبل الثورة البلشفية بروعته كما تقول عنه نسنكوفا وقد احتوى على العديد من أعمال الفن الذي عرفته روسيا القيصرية وقتذاك، كما كان رمزا من رموز البناء الروسي القديم ضم العديد من الدروع والمخطوطات القديمة. ولدت آنا أندرييفنا غورنكو عام 1889 وعرفت بعد ذلك باسمها المستعار آنا أخماتوفا نسبة لسلفها زعيم التتار وسط عائلة من النبلاء الروس يعودون إلى إحدى قبائل التتار وكانت جميلة ذات شعر أسود داكن مع أنف معقوف بارز ، كانت تحب الفن والفنانين ويعتقد أن يكون هناك على الأقل 200 صورة ورسم لها بما في ذلك أكثر من اثني عشر رسما ولوحة زيتية من قبل الرسام أميديو موديلياني الذي سقط في حبها أثناء زيارتها باريس في أوائل القرن العشرين المنصرم، وكانت واحدة من مشاهير الشعر الذي كان يسمى بالعصر الذهبي للشعراء الروس قبل الثورة الروسية عام 1917، تزوجت مرتين وطلقت مرتين وكانت معروفة بقصائدها العميقة المعنى حول غموض الحب وأحواله.
الألبوم الغنائي للمغنية سنلي الذي حمل قصيدة بعنوان "نخب الماضي" للشاعرة أخماتوفا قالت عنه: - إنني أتغنى بإحدى القصائد القصيرة والمعبرة" نخب الماضي "وهي من أجمل قصائدها ولذلك أحببت أن أغنيها حيث يقول مقطعها الأول: "أنا أشرب في المنزل وأشعر بدمار حياتي كلها فظيعة جدا تلك الكلمات التي أتمتم بها ومع ذلك أحاول الاستمتاع بوحدتي هذه أنا أشرب نخب ذاك الذي مضى".
متحف أخماتوفا، ومع ما احتواه من صور ضم أيضا صورة نادرة لزوجها الأول نيكولاي غيملوف عندما كان شابا وهو يرتدي الزي العسكري وكان قد اعتقل في الثالث من أغسطس / آب 1921، تقول عنه نسنكوفا: بعد اعتقاله تم وضعه في السجن وبعد ثلاثة أسابيع تم إعدامه سرا وهو أيضا شاعر موهوب كان واحدا فقط من بين العديد ممن أحب أخماتوفا بصدق وقد اعتقل في سنوات الثورة الروسية خلال عهد ستالين.
بعد وفاة زوجها انتقلت أخماتوفا إلى الشقة التي أصبحت في نهاية المطاف متحفها وقد عاشت مع عشيقها نيكولاي بنن وهو مدرس وناقد فني مرموق لأنها كانت تخاف الوحدة وبسبب القمع والإرهاب من زوار الليل وهم الشرطة السرية الذين كثيرا ما كانوا يداهمون البيوت بحثا عن مطلوبين يتهمهم نظام ستالين بمعاداته والتهجم عليه، وقد أدركها الخوف عندما ألقي القبض على بنن وسجن جنبا إلى جنب مع ابن أخماتوفا ليف غيملوف وأصبحت الشاعرة تقف في طابور طويل من النساء الذين ينتظرون خارج لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليا) حيث يقبع سجنها الكبير لإلقاء نظرة على أحبائهم أو تقديم الخبز لهم، كتبت في وقت لاحق عن تلك التجربة التي أمضت 17 شهرا وهي تقف في طوابير الانتظار أمام بوابة السجن: "في تلك الأيام الصعبة كانت هناك امرأة تقف ورائي وقد اصطبغت شفتاها بزرقة داكنة نتيجة البرد وعندما سمعت باسمي سألتني: هل يمكن لأحد أن يصف الموقف هذا؟ أجبتها: نعم أستطيع".
حققت بعدها أخماتوفا وعدها لتلك المرأة بكتابة ديوانها "قداس" الذي بقي مخطوطا تناقلته سرا ولم ينشر إلا بعد 20 عاما من وفاتها، لكنه كان معروفا بين صديقاتها والمعجبين بها وبشعرها وجميع قصائد الديوان كانت مكرسة لضحايا ستالين وإرهابه. آنا أخماتوفا - وابنها - عاشا أكثر من ستالين وعددا آخر من أعوانه، وبقيت ذكراها كشاعرة كبيرة باعتراف أجيال من الشعراء الشبان الذين جاءوا بعدها، كانت وفاتها بسبب نوبة قلبية في عام 1966 عن عمر ناهز 76 عاما وقد تم تخليدها بنصب تمثال لها في سانت بطرسبرغ على الجانب الآخر من السجن حيث كانت تقف بانتظار من ستراهم، حبيبها وابنها.
عن / N P R